Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 176-176)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال البخاري عن أبي إسحاق قال : سمعت البراء ، قال : آخر سورة نزلت براءة ، وآخر آية نزلت يستفتونك . وقال الإمام أحمد عن محمد بن المنكدر ، قال سمعت جابر بن عبد الله قال : دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريض لا أعقل ، قال : فتوضأ ثم صب عليّ - أو قال صبوا عليه - فعقلت فقلت : إنه لا يرثني إلا كلالة فكيف الميراث ؟ فأنزل الله آية الفرائض . وفي بعض الألفاظ فنزلت آية الميراث { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ٱلْكَلاَلَةِ } الآية . وكأن معنى الكلام والله أعلم : يستفتونك عن الكلالة { قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ } فيها ، فدل المذكور على المتروك . وقد تقدم الكلام على الكلالة واشتقاقها ، وأنها مأخوذة من الإكليل الذي يحيط بالرأس من جوانبه ، ولهذا فسرها أكثر العلماء : بمن يموت وليس له ولد ولا والد . ومن الناس من يقول : الكلالة من لا ولد له كما دلت عليه هذه الآية : { إِن ٱمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ } ، وقد أشكل حكم الكلالة على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما ثبت عنه في الصحيحين أنه قال : ثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عهد إلينا فيهن عهداً ننتهي إليه : الجد ، والكلالة ، وباب من أبواب الربا . عن عمر قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلالة فقال : " يكفيك آية الصيف " فقال : لأن أكون سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها أحب إلي من أن يكون لي حمر النعم . وكأن المراد بآية الصيف أنها نزلت في فصل الصيف والله أعلم ، ولما أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى تفهمها فإن فيها كفاية ، نسي أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن معناها ، ولهذا قال : فلأن أكون سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها أحب إلي من أن يكون لي حمر النعم . وقال ابن جرير عن سعيد بن المسيب قال : سأل عمر بن الخطاب النبي صلى الله عليه وسلم عن الكلالة ، فقال : " أليس قد بين الله ذلك " ؟ فنزلت { يَسْتَفْتُونَكَ } الآية . قال قتادة : وذكر لنا أن أبا بكر الصديق قال في خطبته : ألا إن الآية التي نزلت في أول سورة النساء في شأن الفرائض أنزلها الله في الولد والوالد ، والآية الثانية أنزلها في الزوج والزوجة والإخوة من الأم ، والآية التي ختم بها سورة النساء أنزلها في الإخوة والأخوات من الأب والأم ، والآية التي ختم بها سورة الأنفال أنزلها في أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله مما جرت الرحم من العصبة . قوله تعالى : { إِن ٱمْرُؤٌ هَلَكَ } أي مات ، قال الله تعالى : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } [ القصص : 88 ] كل شي يفنى ولا يبقى إلا الله عز وجل ، كما قال : { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ } [ الرحمن : 26 - 27 ] ، وقوله : { لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ } تمسك به من ذهب إلى أنه ليس من شرط الكلالة انتفاء الوالد ، بل يكفي في وجود الكلالة انتفاء الولد ، وهو رواية عن عمر بن الخطاب رواها ابن جرير عنه بإسناد صحيح إليه ، ولكن الذي يرجع إليه هو قول الجمهور ، وقضاء الصديق أنه الذي لا ولد له ولا والد . ويدل على ذلك قوله : { وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ } ولو كان معها أب لم ترث شيئاً لأنه يحجبها بالإجماع ، فدل على أنه من لا ولد له بنص القرآن ، ولا والد بالنص عند التأمل أيضاً ، لأن الأخت لا يفرض لها النصف مع الوالد بل ليس لها ميراث بالكلية . وقال الإمام أحمد عن زيد بن ثابت أنه سئل عن ( زوج وأخت لأب وأم ) فأعطى الزوج النصف والأخت النصف ، فكلم في ذلك ، فقال : حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بذلك ، وقد روي عن ابن عباس وابن الزبير أنهما كانا يقولان في الميت ترك بنتاً وأختاً إنه لا شيء للأخت لقوله : { إِن ٱمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ } قال فإذا ترك بنتاً فقد ترك ولداً فلا شي للأخت ، وخالفهما الجمهور فقالوا في هذه المسألة للبنت النصف بالفرض ، وللأخت النصف الآخر بالتعصيب ، بدليل غير هذه الآية ، وهذه الآية نصت أن يفرض لها في هذه الصورة ، وأما وراثتها بالتعصيب ، فلما رواه البخاري عن الأسود ، قال : قضى فينا معاذ بن جبل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم النصف للبنت والنصف للأخت . وفي صحيح البخاري أيضاً عن هزيل بن شرحبيل قال سئل أبو موسى الأشعري عن ابنة وابنة ابن وأخت فقال : للابنة النصف وللأخت النصف وأت ابن مسعود فسيتابعني ، فسأل ابن مسعود فأخبره بقول أبي موسى فقال : لقد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين ، أقضي فيها بما قضى النبي صلى الله عليه وسلم النصف للبنت ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت ، فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود : فقال : لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم . وقوله تعالى : { وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَآ وَلَدٌ } أي والأخ يرث جميع مالها إذا ماتت كلالة وليس لها ولد أي ولا والد ، لأنها لو كان لها والد لم يرث الأخ شيئاً فإن فرض أن معه من له فرض صرف إليه فرضه كزوج أو أخ من أم ، وصرف الباقي إلى الأخ لما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ألحقوا الفرائض بأهلها ، فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر " وقوله : { فَإِن كَانَتَا ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا ٱلثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ } ، أي فإن كان لمن يموت كلالة أختان فرض لهما الثلثان وكذا ما زاد على الأختين في حكمهما ، ومن هٰهنا أخذ الجماعة حكم البنتين كما استفيد حكم الأخوات من البنات في قوله : { فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } [ النساء : 11 ] . وقوله : { وَإِن كَانُوۤاْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَآءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنثَيَيْنِ } هذا حكم العصبات من البنين وبني البنين والأخوة إذا اجتمع ذكورهم وإناثهم أعطي الذكر مثل حظ الأنثيين . وقوله تعالى : { يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ } أي يفرض لكم فرائضه ، ويحد لكم حدوده ، ويوضح لكم شرائعه . وقوله : { أَن تَضِلُّواْ } أي لئلا تضلوا عن الحق بعد البيان ، { وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } أي هو عالم بعواقب الأمور ومصالحها وما فيها من الخير لعباده وما يستحقه كل واحد من القرابات بحسب قربه من المتوفى . وقال ابن جرير عن سعيد بن المسيب : أن عمر كتب في الجد والكلالة كتاباً ، فمكث يستخير الله يقول : اللهم إن علمت فيه خيراً فأمضه ، حتى إذا طعن دعا بكتاب فمحى ولم يدر أحد ما كتب فيه ، فقال : إني كنت كتبت كتاباً في الجد والكلالة ، وكنت أستخير الله فيه ، فرأيت أن أترككم على ما كنتم عليه ، قال ابن جرير وقد روي عن عمر رضي الله عنه . أنه قال : إني لأستحي أن أخالف فيه أبا بكر ، وكان أبو بكر رضي الله عنه يقول : هو ما عدا الولد والوالد ، وهذا الذي قاله الصديق عليه جمهور الصحابة والتابعين ، وهو مذهب الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة وقول علماء الأمصار قاطبة ، وهو الذي يدل عليه القرآن كما أرشد الله أنه قد بين ذلك ووضحه في قوله : { يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } والله أعلم .