Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 19-22)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

روى البخاري عن ابن عباس : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً } ، قال : كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها وإن شاءوا زوجوها ، وإن شاءوا لم يزوجوها فهم أحق بها من أهلها ، فنزلت هذه الآية : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً } هكذا ذكره البخاري وأبو داود والنسائي . وروي عن ابن عباس : كانت المرأة في الجاهلية إذا توفي عنها زوجها فجاء رجل فألقى عليها ثوباً كان أحق بها ، فنزلت : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً } وقال زيد بن أسلم في الآية : كان أهل يثرب إذا مات الرجل منهم في الجاهلية ورث امرأته من يرث ماله وكان يعضلها حتى يرثها ، أو يزوجها من أراد ، وكان أهل تهامة يسيء الرجل صحبة المرأة حتى يطلقها ، ويشترط عليها أن لا تنكح إلا من أراد حتى تفتدي منه ببعض ما أعطاها فنهى الله المؤمنين عن ذلك . وقال أبو بكر بن مردويه عن محمد ابن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه قال : لما توفي أبو قيس بن الأسلت أراد ابنه أن يتزوج امرأته وكان لهم ذلك في الجاهلية فأنزل الله : { لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً } ، وقال ابن جريج : نزلت في ( كبيشة بنت معن بن عاصم بن الأوس ) توفي عنها أبو قيس بن الأسلت فجنح عليها ابنه جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت يا رسول الله : لا أنا ورثت زوجي ولا أنا تركت فأنكح ، فأنزل الله هذه الآية . فالآية تعم ما كان يفعله أهل الجاهلية وكل ما كان فيه نوع من ذلك والله أعلم . وقوله : { وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ آتَيْتُمُوهُنَّ } أي لا تضاروهن في العشرة لتترك لك ما أصدقتها أو بعضه أو حقاً من حقوقها عليك ، أو شيئاً من ذلك على وجه القهر لها والإضرار ، وقال ابن عباس في قوله : { وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ } ، يقول : ولا تقهروهن { لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ آتَيْتُمُوهُنَّ } يعني الرجل تكون له المرأة وهو كاره لصحبتها ولها عليه مهر فيضرها لتفتدي به ، وكذا قال الضحاك وقتادة وغير واحد . واختاره ابن جرير ، وقال ابن المبارك عن ابن السلماني قال : نزلت هاتان الآيتان إحداهما في أمر الجاهلية ، والأخرى في أمر الإسلام يعني قوله تعالى : { لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً } في الجاهلية ، { وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ } في الإسلام ، وقوله : { إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } قال ابن مسعود ، وابن عباس : يعني بذلك الزنا ، يعني إذا زنت فلك أن تسترجع منها الصداق الذي أعطيتها ، وتضاجرها حتى تتركه لك وتخالعها كما قال تعالى : { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ } [ البقرة : 229 ] الآية ، وقال ابن عباس وعكرمة والضحاك : الفاحشة المبينة النشوز والعصيان واختار ابن جرير أنه يعم ذلك كله الزنا والعصيان ، والنشوز وبذاء اللسان ، وغير ذلك ، يعني أن هذا كله يبيح مضاجرتها حتى تبرئه من حقها أو بعضه ويفارقها ، وهذا جيد والله أعلم . وهذا يقتضي أن يكون السياق كله كان في أمر الجاهلية ولكن نهي المسلمون عن فعله في الإسلام : وقال عبد الرحمٰن بن زيد : كان العضل في قريش بمكة : ينكح الرجل المرأة الشريفة ، فلعلها لا توافقه فيفارقها على أن لا تتزوج إلا بإذنه ، فيأتي بالشهود فيكتب ذلك عليها ويشهد ، فإذا جاء الخاطب ، فإن أعطته وأرضته أذن لها وإلا عضلها ، قال فهذا قوله : { وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ آتَيْتُمُوهُنَّ } الآية . وقال مجاهد في قوله : { وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ آتَيْتُمُوهُنَّ } هو كالعضل في سورة البقرة ، وقوله تعالى : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ } أي طيبوا أقوالكم لهن وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم ، كما تحب ذلك منها فافعل أنت بها مثله ، كما قال تعالى : { وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ } [ البقرة : 228 ] ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خيركم خيركم لأهله ؛ وأنا خيركم لأهلي " وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة ، دائم البشر ؛ يداعب أهله ؛ ويتلطف بهم ويوسعهم نفقته ، ويضاحك نساءه حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها يتودّد إليها بذلك ، قالت : سابقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته وذلك قبل أن أحمل اللحم ، ثم سابقته بعدما حملت اللحم فسبقني ، فقال : " هذه بتلك " . ويجمع نساءه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان ، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها ، وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد ، يضع عن كتفيه الرداء وينام بالإزار ، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلاً قبل أن ينام ، يؤانسهم بذلك صلى الله عليه وسلم ، وقد قال الله تعالى : { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } [ الأحزاب : 21 ] ، وأحكام عشرة النساء وما يتعلق بتفصيل ذلك موضعه كتب الأحكام ، ولله الحمد . وقوله تعالى : { فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً } ، أي فعسى أن يكون صبركم في إمساكهن مع الكراهة ، فيه خير كثير لكم في الدنيا والآخرة ، كما قال ابن عباس : هو أن يعطف عليها فيرزق منها ولداً ، ويكون في ذلك الولد خير كثير ، وفي الحديث الصحيح : " لا يفرك مؤمن مؤمنة إن سخط منها خلقاً رضي منها آخر " . وقوله تعالى : { وَإِنْ أَرَدْتُّمُ ٱسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً } أي إذا أراد أحدكم أن يفارق امرأة ويستبدل مكانها غيرها ، فلا يأخذ مما كان أصدق الأولى شيئاً ولو كان قنطاراً من المال ، وفي هذه الآية دلالة على جواز الإصداق بالمال الجزيل ، وقد كان عمر بن الخطاب نهى عن كثرة الإصداق ثم رجع عن ذلك كما قال الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب يقول : ألا لا تغالوا في صداق النساء ، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم ، ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية . ( طريق أخرى عن عمر ) : قال الحافظ أبو يعلى عن الشعبي عن مسروق قال : ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : أيها الناس ما إكثاركم في صداق النساء ! ! وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم ؛ فما دون ذلك . ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو كرامة لم تسبقوهم إليها . فلأعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم . قال : ثم نزل . فاعترضته امرأة من قريش فقالت : يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة درهم ؟ قال : نعم ، فقالت أما سمعت ما أنزل الله في القرآن ؟ قال : وأي ذلك ؟ فقالت : أما سمعت الله يقول : { وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً } الآية . قال : اللهم غفراً ، كل الناس أفقه من عمر . ثم رجع فركب المنبر فقال : أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم ، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب . قال أبو يعلى : وأظنه قال : فمن طابت نفسه فليفعل إسناده جيد قوي . وفي رواية : امرأة أصابت ورجل أخطأ ، ولهذا قال منكراً : { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } أي وكيف تأخذون الصداق من المرأة وقد أفضيت إليها وأفضت إليك قال ابن عباس : يعني بذلك الجماع . وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمتلاعنين بعد فراغهما من تلاعنهما : " " الله يعلم أن أحدكما كاذب ، فهل منكما تائب " قالها ثلاثاً فقال الرجل : يا رسول الله مالي - يعني ما أصدقها - قال : " لا مال لك ، إن كنت صدقت فهو بما استحللت من فرجها ، وإن كنت كذبت عليها فهو أبعد لك منها " " . وقوله تعالى : { وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً } المراد بذلك العقد ، وقال سفيان الثوري في قوله : { وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً } قال : إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، وقال الربيع بن أنس في الآية : هو قوله : " أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله " ، وفي صحيح مسلم عن جابر في خطبة حجة الوداع : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيها : " واستوصوا بالنساء خيراً فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله " . وقوله تعالى : { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } الآية ، يحرم الله تعالى زوجات الآباء تكرمة لهم ، وإعظاماً واحتراماً أن توطأ من بعده ، حتى إنها لتحرم على الابن بمجرد العقد عليها ، وهذا أمر مجمع عليه . قال ابن أبي حاتم عن عدي بن ثابت عن رجل من الأنصار قال : لما توفي أبو قيس - يعني ابن الأسلت - وكان من صالحي الأنصار ، فخطب ابنه قيس امرأته فقالت : إنما أعدُّك ولداً وأنت من صالحي قومك ، ولكني آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : " إن أبا قيس توفي فقال : " خيراً " ، ثم قالت : إن ابنه قيساً خطبني وهو من صالحي قومه ، وإنما كنت أعدُّه ولداً فما ترى ؟ فقال لها : " ارجعي إلى بيتك " قال فنزلت : { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } " الآية . وقد زعم السهيلي أن نكاح نساء الآباء كان معمولاً به في الجاهلية ، ولهذا قال : { إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } ، كما قال : { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } [ النساء : 23 ] قال : وقد فعل ذلك كنانة بن خزيمة ، تزوج بامرأة أبيه فأولدها ابنه النضر بن كنانة ، قال : وقد قال صلى الله عليه وسلم : " ولدت من نكاح لا من سفاح " قال : فدل على أنه كان سائغاً لهم ذلك ، فأراد أنهم كانوا يعدونه نكاحاً ؛ وعن ابن عباس قال : كان أهل الجاهلية يحرمون ما حرم الله إلا امرأة الأب والجمع بين الأختين ، فأنزل الله تعالى : { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } ، { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلأُخْتَيْنِ } [ النساء : 23 ] ، وهكذا قال عطاء وقتادة ، ولكن فيما نقله السهيلي من قصة كنانة نظر والله أعلم ، وعلى كل تقدير فهو حرام في هذه الأمة ، مبشع غاية التبشع ، ولهذا قال تعالى : { إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَآءَ سَبِيلاً } ، وقال : { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } [ الأنعام : 151 ] ، وقال : { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً } [ الإسراء : 32 ] ، فزاد هٰهنا : { وَمَقْتاً } أي بغضاً أي هو أمر كبير في نفسه ، ويؤدي إلى مقت الابن أباه بعد أن يتزوج بامرأته ، فإن الغالب أن من تزوج بامرأة يبغض من كان زوجها قبله ، ولهذا حرمت أمهات المؤمنين على الأمة لأنهن أمهات لكونهن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وهو كالأب ، بل حقه أعظم من حق الآباء بالإجماع ، بل حبه مقدم على حب النفوس صلوات الله وسلامه عليه . وقال عطاء في قوله تعالى : { وَمَقْتاً } أي يمقت الله عليه ، { وَسَآءَ سَبِيلاً } أي وبئس طريقاً لمن سلكه من الناس ، فمن تعاطاه بعد هذا فقد ارتد عن دينه ، فيقتل ويصير ماله فيئاً لبيت المال ، كما رواه الإمام أحمد وأهل السنن عن البراء بن عازب عن خاله أبي بردة : أنه بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن يقتله ويأخذ ماله ، وقال الإمام أحمد عن البراء بن عازب قال : مر بي عمي ( الحارث بن عمير ) ومعه لواء قد عقده له النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له : أي عم أين بعثك النبي ؟ قال : بعثني إلى رجل تزوج امرأة أبيه فأمرني أن أضرب عنقه .