Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 23-24)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه الآية الكريمة هي آية تحريم المحارم من النسب ، وما يتبعه من الرضاع والمحارم بالصهر ، كما قال ابن عباس : حرمت عليكم سبعٌ نسباً وسبع صهراً ، وقرأ : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ } الآية . وقد استدل جمهور العلماء على تحريم المخلوقة من ماء الزاني عليه ، بعموم قوله تعالى : { وَبَنَاتُكُمْ } فإنها بنت فتدخل في العموم كما هو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل ، وقد حكي عن الشافعي شيء في إباحتها لأنها ليست بنتاً شرعية ، فكما لم تدخل في قوله تعالى : { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ } [ النساء : 11 ] فإنها لا ترث بالإجماع ، فكذلك لا تدخل في هذه الآية والله أعلم . وقوله تعالى : { وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَاعَةِ } أي كما يحرم عليك أمك التي ولدتك ، كذلك يحرم عليك أمك التي أرضعتك ، ولهذا ثبت في الصحيحين عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة " وفي لفظ لمسلم : " يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب " ثم اختلف الأئمة في عدد الرضعات المحرمة ، فذهب ذاهبون إلى أنه يحرم مجرد الرضاع لعموم هذه الآية ، وهذا قول مالك ، ويروى عن ابن عمر ، وقال آخرون : لا يحرم أقل من ثلاث رضعات لما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تحرم المصة ولا المصتان " ، وفي لفظ آخر : " لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان " وممن ذهب إلى هذا القول الإمام أحمد بن حنبل ، وقال آخرون : لا يحرم أقل من خمس رضعات لما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان فيما أنزل من القرآن " عشر رضعات معلومات يحرمن " ثم نسخن بخمس معلومات ، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن ) وكانت عائشة تأمر من يريد أن يدخل عليها أن يرضع خمس رضعات ، وبهذا قال الشافعي وأصحابه ، ثم ليعلم أنه لا بد أن تكون الرضاعة في سن الصغر دون الحولين على قول الجمهور ، وقد قدمنا الكلام على هذه المسألة في سورة البقرة عند قوله : { وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ } [ الآية : 233 ] . وقوله : { وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ ٱللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ } أما ( أمُّ المرأة ) فإنها تحرم بمجرد العقد على بنتها ، سواء دخل بها أو لم يدخل بها ، وأما ( الربيبة ) وهي بنت المرأة فلا تحرم حتى يدخل بأمها ، فإن طلق الأم قبل الدخول بها جاز أن يتزوج بنتها ، ولهذا قال : { وَرَبَائِبُكُمُ ٱللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } في تزويجهن ، فهذا خاص بالربائب وحدهن ، وقد فهم بعضهم عود الضمير إلى الأمهات والربائب فقال : لا تحرم واحدة من الأم ولا البنت بمجرد العقد على الأخرى حتى يدخل بها لقوله : { فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } . وجمهور العلماء على أن الربيبة لا تحرم بالعقد على الأم بخلاف الأم فإنها تحرم بمجرد العقد ، قال ابن أبي حاتم : عن ابن عباس : أنه كان يقول : إذا طلق الرجل المرأة قبل أن يدخل بها أو ماتت لم تحل له أمها ، وهذا مذهب الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة ، وجمهور الفقهاء قديماً وحديثاً ، ولله الحمد والمنة . وأما قوله تعالى : { وَرَبَائِبُكُمُ ٱللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ } فالجمهور على أن الربيبة حرام سواء كانت في حجر الرجل أو لم تكن في حجره ، قالوا : وهذا الخطاب خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له كقوله تعالى : { وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً } [ النور : 33 ] ، وفي الصحيحين " أن أم حبيبة قالت : يا رسول الله انكح أختي بنت أبي سفيان ، وفي لفظ لمسلم ( عزة بنت أبي سفيان ) قال : " أو تحبين ذلك " ؟ قالت : نعم لست بك بمخلية ، وأحب من شاركني في خير أختي ، قال : " فإن ذلك لا يحل لي " قالت : فإنا نحدث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة قال : " بنت أم سلمة " قالت : نعم قال : " إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي ، إنها لبنت أخي من الرضاعة ، أرضعتني وأبا سلمة ثويبة ، فلا تعرضن عليَّ بناتكن ولا أخواتكن " وفي رواية للبخاري : " إني لو لم أتزوج أم سلمة ما حلت لي " فجعل المناط في التحريم مجرد تزوجه أم سلمة وحكم بالتحريم بذلك ، وهذا هو مذهب الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة وجمهور الخلف والسلف ، وقد قيل بأنه لا تحرم الربيبة إلا إذا كانت في حجر الرجل فإذا لم تكن كذلك فلا تحرم وهو قول غريب جداً ، وإلى هذا ذهب داود الظاهري وأصحابه ، واختاره ابن حزم ، وحكى لي شيخنا الحافظ الذهبي أنه عرض هذا على الشيخ الإمام تقي الدين ابن تيمية رحمه الله فاستشكله وتوقف في ذلك والله أعلم ؛ وأما الربيبة في ملك اليمين فقد قال الإمام مالك بن أنس : أن عمر بن الخطاب سئل عن المرأة وبنتها من ملك اليمين توطأ إحداهما بعد الأخرى فقال عمر : ما أحب أن أجيزهما جميعاً : يريد أن أطأهما جميعاً بملك يميني ، وعن طارق بن عبد الرحمٰن عن قيس قال : قلت لابن عباس : أيقع الرجل على مرأة وابنتها مملوكين له ؟ فقال أحلتهما آية وحرمتهما آية ، ولم أكن لأفعله ، وقال الشيخ ابن عبد البر رحمه الله : لا خلاف بين العلماء أنه لا يحل لأحد أن يطأ امرأة وبنتها من ملك اليمين لأن الله حرم ذلك في النكاح ، قال : { وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ ٱللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ } ، وملك اليمين عندهم تبع للنكاح إلا ما روي عن عمر وابن عباس ، وليس على ذلك أحد من أئمة الفتوى ولا من تبعهم ، وروى هشام عن قتادة : بنت الربيبة وبنت ابنتها لا تصلح وإن كانت أسفل ببطون كثيرة ، ومعنى قوله : { ٱللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ } أي نكحتموهن قاله ابن عباس وغير واحد ، وقال ابن جرير : وفي إجماع الجميع على أن خلوة الرجل بامرأة لا تحرم ابنتها عليه إذا طلقها قبل مسيسها ومباشرتها ، وقبل النظر إلى فرجها بشهوة ما يدل على أن معنى ذلك هو الوصول إليها بالجماع . وقوله تعالى : { وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ } أي وحرمت عليكم زوجات أبنائكم الذين ولدتموهم من أصلابكم ، يحترز بذلك عن الأدعياء الذين كانوا يتبنونهم في الجاهلية . قال ابن جريج : سألت عطاء عن قوله : { وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ } قال : كنا نحدّث - والله أعلم - أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نكح امرأة زيد قال المشركون بمكة في ذلك فأنزل الله عزّ وجلّ : { وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ } ، ونزلت : { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ } [ الأحزاب : 4 ] ، ونزلت : { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ } [ الأحزاب : 40 ] . وقوله تعالى : { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } الآية ، أي وحرم عليكم الجمع بين الأختين معاً في التزويج وكذا في ملك اليمين ، إلا ما كان منكم في جاهليتكم فقد عفونا عنه وغفرناه ، فدل على أنه لا مثنوية فيما يستقبل لأنه استثنى مما سلف ، كما قال : { لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلْمَوْتَ إِلاَّ ٱلْمَوْتَةَ ٱلأُولَىٰ } [ الدخان : 56 ] فدل على أنهم لا يذوقون فيها الموت أبداً ، وقد أجمع العلماء من الصحابة والتابعين والأئمة قديماً وحديثاً ، على أنه يحرم الجمع بين الأختين في النكاح ، ومن أسلم وتحته أختان خيّر فيمسك إحداهما ويطلق الأخرى لا محالة ، قال الإمام أحمد : عن الضحاك بن فيروز عن أبيه قال : أسلمت وعندي امرأتان أختان فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أطلق إحداهما ، وفي لفظ للترمذي : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اختر أيتهما شئت " وعن أبي خراش الرعيني قال : قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي أختان تزوجتهما في الجاهلية فقال : " إذا رجعت فطلق إحداهما " وأما الجمع بين الأختين في ملك اليمين فحرام أيضاً لعموم الآية ، وروي ابن أبي حاتم عن ابن مسعود أنه سئل عن الرجل يجمع بين الأختين فكرهه ، فقال له - يعني السائل - يقول الله تعالى : { إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ } ، فقال له ابن مسعود رضي الله تعالى عنه : وبعيرك مما ملكت يمينك ، وهذا هو المشهور عن الجمهور والأئمة الأربعة وغيرهم ، وإن كان بعض السلف قد توقف في ذلك ، وقال الإمام مالك : سأل رجل ( عثمان بن عفان ) عن الأختين في ملك اليمين هل يجمع بينهما ؟ فقال عثمان : أحلتهما آية وحرمتهما آية ، وما كنت لأمنع ذلك ، فخرج من عنده فلقي رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك ، فقال : لو كان لي من الأمر شيء ثم وجدت أحداً فعل ذلك لجعلته نكالاً ، وقال مالك قال ابن شهاب : أراه علي بن أبي طالب . وعن إياس بن عامر قال : سألت علي بن أبي طالب فقلت : إن لي أختين مما ملكت يميني اتخذت إحداهما سرية فولدت لي أولاداً ثم رغبت في الأخرى فما أصنع ؟ فقال علي رضي الله عنه : تعتق التي كنت تطأ ثم تطأ الأخرى ، قلت : فإن ناساً يقولون بل تزوّجُها ثم تطأ الأخرى ، فقال علي : أرأيت إن طلقها زوجها أو مات عنها أليس ترجع إليك ؟ لأن تعتقها أسلم لك ، ثم أخذ علي بيدي فقال لي : إنه يحرم عليك مما ملكت يمينك ما يحرم عليك في كتاب الله عز وجل من الحرائر إلا العدد ، أو قال إلا الأربع ، ويحرم عليك من الرضاع ما يحرم عليك في كتاب الله من النسب . ثم قال أبو عمر : هذا الحديث لو رحل رجل ولم يصب من أقصى المغرب والمشرق إلى مكة غيره لما عابت رحلته . وروى الإمام أحمد عن ابن مسعود قال : يحرم من الإماء ما يحرم من الحرائر إلا العدد ، وجماعة الفقهاء متفقون على أنه لا يحل الجمع بين الأختين بملك اليمين في الوطء كما لا يحل ذلك في النكاح ، وقد أجمع المسلمون على أن معنى قوله : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ } إلى آخر الآية أن النكاح وملك اليمين في هؤلاء كلهن سواء ، وكذلك يجب أن يكون نظراً وقياساً الجمع بين الأختين وأمهات النساء والربائب ، وكذلك هو عند جمهورهم وهم الحجة المحجوج بها من خالفها وشذ عنها . وقوله تعالى : { وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ } أي وحرم عليكم من الأجنبيات المحصنات وهن المزوجات { إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ } يعني إلا ما ملكتموهن بالسبي ، فإنه يحل لكم وطؤهن إذا استبرأتموهن فإن الآية نزلت في ذلك ، وقال الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري قال : أصبنا سبياً من سبي أوطاس ، ولهن أزواج فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج ، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية : { وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ } فاستحللنا فروجهن . وفي رواية مسلم أن أصحاب رسول الله أصابوا سبياً يوم أوطاس لهن أزواج من أهل الشرك ، فكان أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كفواً وتأثموا من غشيانهن قال : فنزلت هذه الآية في ذلك : { وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ } . وقد ذهب جماعة من السلف إلى أن بيع الأمة يكون طلاقاً لها من زوجها أخذاً بعموم هذه الآية ، وقال ابن جرير : كان عبد الله يقول : بيعها طلاقها ويتلو هذه الآية : { وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ } وعن ابن مسعود قال : إذا بيعت الأمة ولها زوج فسيدها أحق ببضعها . وعن ابن المسيب قوله : { وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ } ، قال : هذه ذوات الأزواج حرم الله نكاحهن إلا ما ملكت يمينك فبيعها طلاقها . فهذا قول هؤلاء من السلف وقد خالفهم الجمهور قديماً وحديثاً ، فرأوا أن بيع الأمة ليس طلاقاً لها ، لأن المشتري نائب عن البائع ، والبائع كان قد أخرج عن ملكه هذه المنفعة وباعها مسلوبة عنها ، واعتمدوا في ذلك على حديث بريرة المخرج في الصحيحين وغيرهما ، فإن عائشة أم المؤمنين اشترتها وأعتقتها ، ولم ينفسخ نكاحها من زوجها مغيث ، بل خيّرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الفسخ والبقاء ، فاختارت الفسخ وقصتها مشهورة فلو كان بيع الأمة طلاقها كما قال هؤلاء ما خيرها النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما خيّرها دل على بقاء النكاح ، وأن المراد من الآية المسبيات فقط والله أعلم ، وقد قيل المراد بقوله : { وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ } يعني العفائف حرام عليكم حتى تملكوا عصمتهن بنكاح وشهود ومهور وولي واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً ، حكاه ابن جرير عن أبي العالية وطاوس وغيرهما ، وقال عمر وعبيدة : { وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ } ما عدا الأربع حرام عليكم إلا ما ملكت أيمانكم . وقوله تعالى : { كِتَابَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } أي هذا التحريم كتاب كتبه الله عليكم ، يعني الأربع فالزموا كتابه ، ولا تخرجوا عن حدوده ، والزموا شرعه وما فرضه . وقال عطاء والسدي في قوله : { كِتَابَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } يعني الأربع ، وقال إبراهيم : { كِتَابَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } : يعني ما حرم عليكم ؛ وقوله تعالى : { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ } أي ما عدا من ذكرن من المحارم هن لكم حلال ، قاله عطاء وغيره ، وقال قتادة : { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ } : يعني ما ملكت أيمانكم ، وهذه الآية هي التي احتج بها من احتج على تحليل الجمع بين الأختين ، وقول من قال : أحلتهما آية وحرمتهما آية ، وقوله تعالى : { أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُمْ مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ } أي تحصلوا بأموالكم من الزوجات إلى أربع ، أو السراري ما شئتم بالطريق الشرعي ، ولهذا قال : { مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ } . وقوله تعالى : { فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً } أي كما تستمتعون بهن فآتوهن مهورهن في مقابلة ذلك ، كما قال تعالى : { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } [ النساء : 21 ] ، وكقوله تعالى : { وَآتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } [ النساء : 4 ] ، وكقوله : { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً } [ البقرة : 229 ] . وقد استدل بعموم هذه الآية على نكاح المتعة ، ولا شك أنه كان مشروعاً في ابتداء الإسلام ثم نسخ بعد ذلك ، وقد ذهب الشافعي وطائفة من العلماء إلى أنه أبيح ، ثم نسخ ثم أبيح ثم نسخ مرتين . وقال آخرون : إنما أبيح مرة ثم نسخ ولم يبح بعد ذلك ، وقد قيل بإباحتها للضرورة وهي رواية عن الإمام أحمد ، وقال مجاهد : نزلت في نكاح المتعة ، ولكن الجمهور على خلاف ذلك ، والعمدة ما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين ( علي بن أبي طالب ) قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة ، وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر ، ولهذا الحديث ألفاظ مقررة هي في كتاب الأحكام ، وفي صحيح مسلم عن الربيع بن سبرة بن معبد الجهني عن أبيه أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة فقال : " يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة ، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً " ، وفي رواية لمسلم في حجة الوداع وله ألفاظ موضعها كتاب الأحكام . وقوله تعالى : { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ ٱلْفَرِيضَةِ } أي إذا فرضت لها صداقاً فأبرأتك منه أو عن شيء منه فلا جناح عليك ولا عليها في ذلك ، وقال ابن جرير : إن رجالاً كانوا يفرضون المهر ، ثم عسى أن يدرك أحدهم العسرة فقال : ولا جناح عليكم أيها الناس فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ، يعني إن وضعت لك منه شيئاً فهو لك سائغ ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ ٱلْفَرِيضَةِ } والتراضي أن يوفيها صداقها ، ثم يخيرها يعني في المقام أو الفراق ، وقوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } مناسب ذكر هذين الوصفين بعد شرع هذه المحرمات .