Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 2-4)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يأمر تعالى بدفع أموال اليتامى إليهم إذا بلغوا الحلم كاملة موفرة ، وينهى عن أكلها وضمها إلى أموالهم ، ولهذا قال : { وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ ٱلْخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِ } . قال سفيان الثوري : لا تعجل بالرزق الحرام قبل أن يأتيك الرزق الحلال الذي قدّر لك ، وقال سعيد بن جبير : لا تتبدلوا الحرام من أموال الناس بالحلال من أموالكم ، يقول : لا تبدلوا أموالكم الحلال وتأكلوا أموالهم الحرام ، وقال سعيد بن المسيب : لا تعط مهزولاً وتأخذ سميناً ، وقال الضحاك : لا تعط زيفا وتأخذ جيداً ، وقال السدي : كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من غنم اليتيم ، ويجعل مكانها الشاة المهزولة ، ويقول : شاة بشاة ، ويأخذ الدرهم الجيد ويطرح مكانه الزيف ويقول درهم بدرهم . وقوله : { وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ } ، قال مجاهد وسعيد بن جبير : أي لا تخلطوها فتأكلوها جميعاً ، وقوله : { إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً } قال ابن عباس : أي إثماً عظيماً . وفي الحديث المروي في " سنن أبو داود " : " اغفر لنا حوبنا وخطايانا " وروى ابن مردويه بإسناده عن ابن عباس : أن أبا أيوب طلق امرأته ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " يا أبا أيوب إن طلاق أم أيوب كان حوباً " قال ابن سيرين : الحوب الإثم ، وعن أنس : أن أبا أيوب أراد طلاق أم أيوب ، فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " إن طلاق أم أيوب لحوب " فأمسكها والمعنى : إن أكلكم أموالهم مع أموالكم إثم عظيم وخطأ كبير فاجتنبوه . وقوله : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ } أي إذا كان تحت حجر أحدكم يتيمة . وخاف أن لا يعطيها مهر مثلها فليعدل إلى ما سواها ، فإنهن كثير ولم يضيق الله عليه ، وقال البخاري عن عائشة : أن رجلاً كانت له يتيمة فنكحها وكان لها عذق ، وكان يمسكها عليه ، ولم يكن لها من نفسه شيء فنزلت فيه ، { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ } أحسبه قال : كانت شريكته في ذلك العذق وفي ماله ، ثم قال البخاري : عن ابن شهاب قال : أخبرني عروة بن الزبير أنه سأل عائشة عن قول الله تعالى { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ } قالت : يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها ، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يُقْسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره ، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا إليهن ، ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق ، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن ، قال عروة : قالت عائشة : وإن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية فأنزل الله : { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي ٱلنِّسَآءِ } [ النساء : 127 ] قالت عائشة : وقول الله في الآية الأخرى : { وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ } [ النساء : 127 ] رغبة أحدكم عن يتيمته إذا كانت قليلة المال والجمال ، فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن إذا كن قليلات المال والجمال . وقوله : { مَثْنَىٰ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } أي انكحوا ما شئتم من النساء سواهن إن شاء أحدكم ثنتين ، وإن شاء ثلاثاً ، وإن شاء أربعاً ، كما قال الله تعالى : { جَاعِلِ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً أُوْلِيۤ أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } [ فاطر : 1 ] أي منهم من له جناحان ، ومنهم من له ثلاثة ، ومنهم من له أربعة ، ولا ينفي ما عدا ذلك في الملائكة لدلالة عليه ، بخلاف قصر الرجال على أربع فمن هذه الآية كما قال ابن عباس وجمهور العلماء ، لأن المقام مقام امتنان وإباحة ، فلو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربع لذكره ، قال الشافعي : وقد دلت سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبينة عن الله أنه لا يجوز لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة ، وهذا الذي قاله الشافعي مجمع عليه بين العلماء ، إلا ما حكي عن طائفة من الشيعة أنه يجوز الجمع بين أكثر من أربع إلى تسع ، وقال بعضهم : بلا حصر . وقد يتمسك بعضهم بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمعه بين أكثر من أربع إلى تسع كما ثبت في الصحيح ، وهذا عند العلماء من خصائصه دون غيره من الأمة لما سنذكره من الأحاديث الدالة على الحصر في أربع ، ولنذكر الأحاديث في ذلك . قال الإمام أحمد عن سالم عن أبيه : أن ( غيلان بن سلمة الثقفي ) أسلم وتحته عشر نسوة ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " اختر منهن أربعاً " ، فلما كان في عهد عمر طلق نساءه ، وقسم ماله بين بنيه ، فبلغ ذلك عمر فقال : إني لأظن الشيطان فيما يسترق من السمع سمع بموتك فقذفه في نفسك ، ولعلك لا تلبث إلا قليلاً ، وايم الله لتراجعن نساءك ولترجعن مالك أو لأورثهن منك ولآمرن بقبرك فيرجم كما رجم قبر أبي رغال وعن ابن عمر : أن ( غيلان بن سلمة ) كان عنده عشر نسوة ، فأسلم وأسلمن معه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعاً ، هكذا أخرجه النسائي في " سننه " . فوجه الدلالة أنه لو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربع لسوّغ له رسول الله صلى الله عليه وسلم سائرهن في بقاء العشرة وقد أسلمن ، فلما أمره بإمساك أربع وفراق سائرهن ، دل على أنه لا يجوز الجمع بين أكثر من أربع بحال ، فإذا كان هذا في الدوام ، ففي الاستئناف بطريق الأولى والأحرى ، والله سبحانه أعلم بالصواب . ( حديث آخر ) : قال الشافعي في مسنده عن نوفل بن معاوية الديلي قال : أسلمت وعندي خمس نسوة ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " اختر أربعاً أيتهن شئت وفارق الأخرى " ، فعمدت إلى أقدمهن صحبة ، عجوز عاقر معي منذ ستين سنة فطلقتها ، فهذه كلها شواهد لحديث غيلان كما قاله البيهقي ، وقوله : { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } أي إن خفتم من تعداد النساء أن لا تعدلوا بينهن كما قال تعالى : { وَلَن تَسْتَطِيعُوۤاْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ } [ النساء : 129 ] فمن خاف من ذلك فليقتصر على واحدة أو على الجواري السراري ، فإنه لا يجب قسم بينهن ، ولكن يستحب ، فمن فعل فحسن ومن لا فلا حرج . وقوله : { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ } قال بعضهم : ذلك أدنى أن لا تكثر عيالكم قاله زيد بن أسلم والشافعي وهو مأخوذ من قوله تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً } [ التوبة : 28 ] أي فقراً { فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ } [ التوبة : 28 ] وقال الشاعر : @ فما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيل ؟ @@ وتقول العرب : عال الرجل يعيل عيلة إذا افتقر ، ولكن في هذا التفسير هٰهنا نظر ، فإنه كما يخشى كثرة العائلة من تعداد الحرائر كذلك يخشى من تعداد السراري أيضاً ، والصحيح قول الجمهور : { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ } أي لا تجوروا يقال : عال في الحكم إذا قسط وظلم وجار ، وقال أبو طالب في قصيدته المشهورة : @ بميزان قسط لا يخيس شعيرةً له شاهد من نفسه غير عائل @@ عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ } قال : " لا تجوروا " ، روي مرفوعاً والصحيح عن عائشة أنه موقوف ، وروي عن ابن عباس وعائشة ومجاهد أنهم قالوا : لا تميلوا . وقوله تعالى : { وَآتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } قال ابن عباس : النحلة المهر وعن عائشة نحلة : فريضة ، وقال ابن زيد : النحلة في كلام العرب الواجب ، يقول : لا تنكحها إلا بشي واجب لها ، وليس ينبغي لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينكح امرأة إلا بصداق واجب ، ومضمون كلامهم أن الرجل يجب عليه دفع الصداق إلى المرأة حتما ، وأن يكون طيب النفس بذلك ، كما يمنح المنيحة ويعطي النحلة طيباً ، كذلك يجب أن يعطي المرأة صداقها طيباً بذلك ، فإن طابت هي له به بعد تسميته أو عن شيء منه فليأكله حلالاً طيباً ، ولهذا قال : { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً } . وقال هشيم : كان الرجل إذا زوج بنته أخذ صداقها دونها فنهاهم الله عن ذلك ونزل : { وَآتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } .