Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 66-70)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى عن أكثر الناس أنهم لو أمروا بما هم مرتكبونه من المناهي لما فعلوه ، لأن طباعهم الرديئة مجبولة على مخالفة الأمر ، وهذا من علمه تبارك وتعالى بما لم يكن أو كان فكيف كان يكون ، ولهذا قال تعالى : { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ ٱقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ } الآية ، قال ابن جرير : { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ ٱقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ } الآية ، قال رجل : لو أمرنا لفعلنا والحمد لله الذي عافانا ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " إن من أمتي لرجالاً الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي " ، وقال السدي : افتخر ( ثابت بن قيس ) بن شماس ورجل من اليهود ، فقال اليهودي : والله لقد كتب الله علينا القتل فقتلنا أنفسنا ، فقال ثابت : والله لو كتب علينا { أَنِ ٱقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ } لفعلنا ، فأنزل الله هذه الآية . قال تعالى : { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ } أي : ولو أنهم فعلوا ما يؤمرون به . وتركوا ما ينهون عنه ، { لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } أي من مخالفة الأمر وارتكاب النهي { وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً } قال السدي : أي وأشد تصديقاً ، { وَإِذاً لأَتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـآ } أي من عندنا { أَجْراً عَظِيماً } يعني الجنة ، { وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } أي في الدنيا والآخرة ، ثم قال تعالى : { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً } أي من عمل بما أمره الله به ورسوله وترك ما نهاه الله عنه ورسوله ، فإن الله عزَّ وجلَّ يسكنه دار كرامته ، ويجعله مرافقاً للأنبياء ثم لمن بعدهم في الرتبة ، وهم الصديقون ، ثم الشهداء ، ثم عموم المؤمنين ، وهم الصالحون الذي صلحت سرائرهم وعلانيتهم ، ثم أثنى عليهم تعالى ، فقال : { وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً } وقال البخاري عن عائشة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من نبي يمرض إلا خيِّر بين الدنيا والآخرة " ، وكان في شكواه التي قبض فيها أخذته بحة شديدة ، فسمعته يقول : { مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ } فعلمت أنه خُيِّر . وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر : " اللهم الرفيق الأعلى " ثلاثاً ثم قضى ، عليه أفضل الصلاة والتسليم . ( ذكر سبب نزول هذه الآية الكريمة ) روى ابن جرير عن سعيد بن جبير قال : جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محزون ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " يا فلان مالي أراك محزوناً " ؟ فقال : يا نبي الله شيء فكرت فيه ، فقال ما هو ؟ قال : نحن نغدو ونروح ننظر إلى وجهك ونجالسك ، وغداً ترفع مع النبيين ، فلا نصل إليك ، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً ، فأتاه جبريل بهذه الآية : { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ } الآية ، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم فبشره . وعن عائشة ، قالت : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ! إنك لأحب إليَّ من نفسي ، وأحب إليَّ من أهلي ، وأحب إليَّ من ولدي ، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك ، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلتَ الجنة رفعتَ مع النبيّين ، وإن دخلتُ الجنة خشيت أن لا أراك ، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلت عليه : { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً } . وثبت في صحيح مسلم " عن ربيعة بن كعب الأسلمي أنه قال : كنت أبيت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته ، فقال لي : سل . فقلت : يا رسول الله أسألك مرافقتك في الجنة ، فقال : " أو غير ذلك " ؟ قلت : هو ذاك ، قال : " فأعني على نفسك بكثرة السجود " وقال الإمام أحمد عن عمرو بن مرة الجهني ، قال : " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله شهدت أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ؛ وصليت الخمس ، وأديت زكاة مالي ، وصمت شهر رمضان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من مات على ذلك كان مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة هكذا - ونصب أصبعيه - ما لم يعقَّ والديه " تفرد به أحمد . وروى الترمذي عن أبي سعيد قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء " وقد ثبت في الصحيح والمسانيد وغيرهما من طرق متواترة عن جماعة من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم ، فقال : " المرء مع من أحب " قال أنس : فما فرح المسلمون فرحهم بهذا الحديث ، وفي رواية عن أنس أنه قال : إني لأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ، وأرجو أن الله يبعثني معهم ، وإن لم أعمل كعملهم . قال الإمام مالك بن أنس عن أبي سعيد الخدري قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم " ، قالوا : يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال : " بلى ، والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدَّقوا المرسلين " قال تعالى : { ذٰلِكَ ٱلْفَضْلُ مِنَ ٱللَّهِ } أي من عند الله برحمته ، وهو الذي أهلهم لذلك لا بأعمالهم ، { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ عَلِيماً } أي هو عليم بمن يستحق الهداية والتوفيق .