Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 97-100)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
عن ابن عباس أن ناساً من المسلمين كانوا مع المشركين ، يكثرون سوادهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي السهم يرمى به فيصيب أحدهم فيقتله أو يضرب عنقه فيقتل ، فأنزل الله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ } وقال ابن أبي حاتم عن عكرمة عن ابن عباس قال : كان قوم من أهل مكة أسلموا وكانوا يستخفون بالإسلام ، فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم فأصيب بعضهم ، قال المسلمون : كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا فاستغفروا لهم فنزلت { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ } الآية ، قال : فكتب إلى من بقي من المسلمين بهذه الآية لا عذر لهم . قال : فخرجوا فلقيهم المشركون فأعطوهم التقية فنزلت هذه الآية : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ } [ البقرة : 8 ، العنكبوت : 10 ] الآية ، قال الضحاك : نزلت في ناس من المنافقين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وخرجوا مع المشركين يوم بدر فأصيبوا فيمن أصيب ، فنزلت هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة ، وليس متمكناً من إقامة الدين فهو ظالم لنفسه مرتكب حراماً بالإجماع ، وبنص هذه الآية حيث يقول تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ } أي بترك الهجرة { قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ } أي لم مكثتم هاهنا وتركتم الهجرة ؟ { قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ } أي لا نقدر على الخروج من البلد ، ولا الذهاب في الأرض { قَالْوۤاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً } الآية ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله " . وقوله تعالى : { إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ } إلى آخر الآية ، هذا عذر من الله لهؤلاء في ترك الهجرة وذلك أنهم لا يقدرون على التخلص من أيدي المشركين ولو قدروا ما عرفوا يسلكون الطريق ، ولهذا قال : { لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً } قال مجاهد : يعني طريقاً ، وقوله تعالى : { فَأُوْلَـٰئِكَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ } أي يتجاوز الله عنهم بترك الهجرة ، و ( عسى ) من الله موجبة { وَكَانَ ٱللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً } قال البخاري عن أبي هريرة قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء إذ قال : سمع الله لمن حمده ؛ ثم قال قبل أن يسجد : " اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة ، اللهم أنج سلمة بن هشام ، اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين ، اللهم اشدد وطأتك على مضر ، اللهم اجعلها سنين كسني يوسف " ، وقال البخاري عن ابن عباس : { إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ } قال : كنت أنا وأمي ممن عذر الله عزَّ وجلَّ . وقوله تعالى : { وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي ٱلأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً } وهذا تحريض على الهجرة ، وترغيب في مفارقة المشركين وأن المؤمن حيثما ذهب وجد عنهم مندوحة وملجأ يتحصن فيه ، والمراغم مصدر تقول العرب : راغم فلان قومه مراغماً ومراغمة ، قال النابغة ابن جعدة : @ كطود يلاذ بأركانه عزيز المراغم والمهرب @@ وقال ابن عباس : المراغم التحول من أرض إلى أرض ، وقال مجاهد : { مُرَاغَماً كَثِيراً } يعني : متزحزحاً عما يكره ، والظاهر والله أعلم أنه المنع الذي يتخلص به ويراغم به الأعداء ، قوله : { وَسَعَةً } يعني الرزق قاله غير واحد منهم قتادة حيث قال في قوله : { يَجِدْ فِي ٱلأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً } أي من الضلالة إلى الهدى ، ومن القلة إلى الغنى . وقوله تعالى : { وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ } أي ومن يخرج من منزله بنية الهجرة فمات في أثناء الطريق فقد حصل له عند الله ثواب من هاجر كما ثبت في الصحيحين عن عمر بن الخطاب قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها ، أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه " ، وهذا عام في الهجرة وفي جميع الأعمال ، ومنه الحديث الثابت في الصحيحين في الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً ، ثم أكمل بذلك العابد المائة ثم سأل عالماً : هل له من توبة ؟ فقال له : ومن يحول بينك وبين التوبة ؟ ثم أرشده إلى أن يتحول من بلده إلى بلد أخرى يعبد الله فيه ، فلما ارتحل من بلده مهاجراً إلى البلد الأخرى أدركه الموت في أثناء الطريق فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، فقال هؤلاء : إنه جاء تائباً ، وقال هؤلاء : إنه لم يصل بعد ، فأمروا أن يقيسوا ما بين الأرضين فإلى أيهما كان أقرب فهو منها ، فأمر الله هذه أن تقترب من هذه ، وهذه أن تبعد فوجدوه أقرب إلى الأرض التي هاجر إليها بشبر ، فقبضته ملائكة الرحمة . قال الإمام أحمد عن عبد الله بن عتيك قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من خرج من بيته مجاهداً في سبيل الله فخرَّ عن دابته فمات فقد وقع أجره على الله ، أو لدغته دابة فمات فقد وقع أجره على الله ، أو مات حتف أنفه فقد وقع أجره على الله " وقال ابن أبي حاتم عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : خرج ( ضمرة بن جندب ) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات في الطريق قبل أن يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية ، وقال الحافظ أبو يعلى عن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من خرج حاجاً فمات كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة ، ومن خرج معتمراً فمات كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة ، ومن خرج غازياً في سبيل الله فمات كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة " .