Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 28-29)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المشهور أن هذا الرجل المؤمن كان ( قبطياً ) من آل فرعون ، قال السدي : كان ابن عم فرعون ، واختاره ابن جرير ، ورد قول من ذهب إلى أنه كان إسرائيلياً ، لأن فرعون انفعل لكلامه واستمعه وكف عن قتل موسى عليه السلام ، ولو كان إسرائيلياً لأوشك أن يعاجله بالعقوبة لأنه منهم ، قال ابن عباس : لم يؤمن من آل فرعون سوى هذا الرجل وامرأة فرعون ، والذي قال : { يٰمُوسَىٰ إِنَّ ٱلْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ } [ القصص : 20 ] ، وقد كان هذا الرجل يكتم إيمانه عن قومه القبط ، فلم يظهر إلا هذا اليوم حين قال فرعون : { ذَرُونِيۤ أَقْتُلْ مُوسَىٰ } [ غافر : 26 ] فأخذت الرجل غضبة لله عزّ وجلّ ، وأفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ، كما ثبت بذلك الحديث ، ولا أعظم من هذه الكلمة عند فرعون ، وهي قوله : { أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ } ، اللهم إلا ما رواه البخاري في " صحيحه " عن عروة بن الزبير رضي الله تعالى عنهما قال ، قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بفِناء الكعبة إذ أقبل ( عقبة بن أبي معيط ) فأخذ بمنكِب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوى ثوبه في عنقه ، فخنقه خنقاً شديداً ، فأقبل أبو بكر رضي الله عنه ، فأخذ بمنكبه ، ودفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال : { أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ وَقَدْ جَآءَكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ } ؟ وروى ابن أبي حاتم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سئل : " ما أشد ما رأيت قريشاً بلغوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : مَرّ صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، فقالوا له : أنت تنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا ؟ فقال : " أنا ذاك " فقاموا إليه ، فأخذوا بمجامع ثيابه ، فرأيت أبا بكر رضي الله عنه محتضنه من ورائه ، وهو يصيح بأعلى صوته ، وإن عينيه ليسيلان وهو يقول : يا قوم : { أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ وَقَدْ جَآءَكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ } ؟ حتى فرغ من الآية كلها " ، وقوله تعالى : { وَقَدْ جَآءَكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ } أي كيف تقتلونه وقد أقام لكم البرهان على صدق ما جاءكم به من الحق ؟ ثم تنزل معهم في المخاطبة فقال : { وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ ٱلَّذِي يَعِدُكُمْ } ، يعني إذا لم يظهر لكم صحة ما جاءكم به ، فمن العقل والرأي والحزم أن تتركوه ونفسه ، فلا تؤذوه ، فإن يك كاذباً فإن الله سبحانه سيجازيه على كذبه ، وإن يك صادقاً وقد آذيتموه يصبكم بعض الذي يعدكم ، فإنه يتوعدكم إن خالفتموه بعذاب في الدنيا والآخرة ، فينبغي أن لا تتعرضوا له بل اتركوه وشأنه . وقوله جلا وعلا : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ } أي لو كان هذا كاذباً كما تزعمون ، لكان أمره بيناً يظهر لكل أحد في أقواله وأفعاله ، وهذا نرى أمره سديداً ومنهجه مستقيماً ، ولو كان من المسرفين الكذابين ، لما هداه الله وأرشده إلى ما ترون من انتظام أمره وفعله ، ثم قال المؤمن محذراً قومه زوال نعمة الله عنهم وحلول نقمة الله بهم : { يٰقَومِ لَكُمُ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي ٱلأَرْضِ } أي قد أنعم الله عليكم بهذا الملك ، والظهور في الأرض بالكلمة النافذة والجاه العريض ، فراعوا هذه النعمة بشكر الله تعالى وتصديق رسوله صلى الله عليه وسلم ، واحذروا نقمة الله إن كذبتم رسوله { فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ ٱللَّهِ إِن جَآءَنَا } أي لا تغني عنكم هذه الجنود وهذه العساكر ولا ترد عنا شيئاً من بأس الله إن أرادنا بسوء . { قَالَ فِرْعَوْنُ } لقومه راداً على ما أشار به هذا الرجل الصالح البار الراشد { مَآ أُرِيكُمْ إِلاَّ مَآ أَرَىٰ } أي ما أقول لكم وأشير عليكم إلا ما أراه لنفسي ، وقد كذب فرعون فإنه كان يتحقق صدق موسى عليه السلام فيما جاء به من الرسالة ، { قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَـٰؤُلاۤءِ إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ بَصَآئِرَ } [ الإسراء : 102 ] ، وقال الله تعالى : { وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً } [ النمل : 14 ] ، فقوله : { مَآ أُرِيكُمْ إِلاَّ مَآ أَرَىٰ } كذب فيه وافترى ، وخان رعيته فغشهم وما نصحهم ، وكذا قوله : { وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ } أي وما أدعوكم إلا إلى طريق الحق والصدق والرشد ، وقد كذب أيضاً في ذلك وإن كان قومه قد أطاعوه واتبعوه ، قال الله تبارك وتعالى : { فَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ } [ هود : 97 ] ، وقال جلَّت عظمته : { وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَىٰ } [ طه : 79 ] . وفي الحديث : " ما من إمام يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام " .