Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 19-24)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى : { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } أي اذكر لهؤلاء المشركين يوم يحشرون إلى النار { يُوزَعُونَ } أي تجمع الزبانية أولهم على آخرهم ، كما قال تعالى : { وَنَسُوقُ ٱلْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْداً } [ مريم : 86 ] أي عطاشاً ، وقوله عزّ وجلّ : { حَتَّىٰ إِذَا مَا جَآءُوهَا } أي وقفوا عليها { شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي بأعمالهم مما قدموه وأخروه لا يكتم منه حرف ، { وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا } أي لاموا أعضاءهم وجلودهم حين شهدوا عليهم فعند ذلك أجابتهم الأعضاء { قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } أي فهو لا يخالف ولا يمانع وإليه ترجعون ، عن أنَس بن مالك رضي الله عنه قال : " " ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وتبسم ، فقال صلى الله عليه وسلم : ألا تسألوني عن أي شيء ضحكت ؟ " قالوا : يا رسول الله من أي شيء ضحكت ؟ قال صلى الله عليه وسلم : عجبت من مجادلة العبد ربه يوم القيامة ، يقول : أي ربي أليس وعدتني أن لا تظلمني ، قال : بلى ، فيقول : فإنني لا أقبل عليَّ شاهداً إلا من نفسي ، فيقول الله تبارك وتعالى : أو ليس كفى بي شهيداً والملائكة الكرام الكاتبين - قال - فيردد هذا الكلام مراراً - قال - فيختم على فيه ، وتتكلم أركانه بما كان يعمل ، فيقول : بعداً لكُنَّ وسحقاً ، عنكن كنت أجادل " ، وقال أبو موسى : " يدعى الكافر والمنافق للحساب ، فيعرض عليه ربه عزّ وجلّ عمله ، فيجحد ، ويقول : أي رب وعزتك لقد كتب عليَّ هذا الملك ما لم أعمل ، فيقول له الملك : أما عملت كذا في يوم كذا في مكان كذا ؟ فيقول : لا وعزتك ، أي رب ما عملته ، قال : فإذا فعل ذلك ختم على فيه ، قال الأشعري فإني لأحسب أول ما ينطق منه فخذه اليمنى " ، وروى الحافظ أبو يعلى ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كان يوم القيامة عرف الكافر بعمله فجحد وخاصم ، فيقول : هؤلاء جيرانك يشهدون عليك ، فيقول : كذبوا فيقول : أهلك وعشيرتك ، فيقول : كذبوا ، فيقول : احلفوا ، فيحلفون ، ثم يصمتهم الله تعالى ، وتشهد عليهم ألسنتهم ويدخلهم النار " . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : إن يوم القيامة يأتي على الناس منه حين لا ينطقون ولا يعتذرون ولا يتكلمون ، حتى يؤذن لهم ، فيختصمون ، فيجحد الجاحد بشركه بالله تعالى ، فيحلفون له كما يحلفون لكم فيبعث الله تعالى عليهم حين يجحدون شهداء من أنفسهم ، جلودهم وأبصارهم وأيديهم وأرجلهم ويختم على أفواههم ، ثم يفتح لهم الأفواه ، فتخاصم الجوارح ، فتقول : { أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } فتقر الألسنة بعد الجحود . وقوله تعالى : { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ } أي تقول لهم الأعضاء والجلود حين يلومونها على الشهادة عليهم : ما كنتم تكتمون منا الذي كنتم تفعلونه ، بل كنتم تجاهرون الله بالكفر والمعاصي ، ولا تبالون منه في زعمكم لأنكم كنتم لا تعتقدون أنه يعلم جميع أفعالكم ، ولهذا قال تعالى : { وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ } أي هذا الظن الفاسد وهو اعتقادكم أن الله تعالى لا يعلم كثيراً مما تعملون ، هو الذي أتلفكم وأرداكم عند ربكم { فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ ٱلُخَاسِرِينَ } أي في مواقف القيامة خسرتم أنفسكم وأهليكم . روى الإمام أحمد ، عن عبد الله رضي الله عنه قال : كنت مستتراً بأستار الكعبة ، فجاء ثلاثة نفر قرشي وختناه ثقفيان - أو ثقفي وختناه قرشيان - كثير شحم بطونهم ، قليل فقه قلوبهم ، فتكلموا بكلام لم أسمعه ، فقال أحدهم : أترون أن الله يسمع كلامنا هذا ؟ فقال الآخر : إنا إذا رفعنا أصواتنا سمعه وإذا لم نرفعه لم يسمعه ، فقال الآخر : إن سمع منه شيئاً سمعه كله ، قال : فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عزّ وجلّ : { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ } إلى قوله { مِّنَ ٱلُخَاسِرِينَ } . وروى الإمام أحمد ، عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يموتن أحد منكم إلا وهو يحسن بالله الظن ، فإن قوماً قد أرادهم سوء ظنهم بالله ، فقال الله تعالى : { وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ ٱلُخَاسِرِينَ } " وقوله تعالى : { فَإِن يَصْبِرُواْ فَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ } أي سواء عليهم صبروا أم لم يصبروا ، هم في النار لا محيد لهم عنها ، ولا خروج لهم منها ، وإن طلبوا أن يستعتبوا ويبدوا أعذاراً فما لهم أعذار ، ولا تقال لهم عثرات ، قال ابن جرير : ومعنى قوله تعالى : { وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ } أي يسألوا الرجعة إلى الدنيا فلا جواب لهم ، قال : وهذا كقوله تعالى إخباراً عنهم : { قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَآلِّينَ * رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } [ المؤمنون : 106 - 108 ] .