Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 9-12)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا إنكار من الله تعالى على المشركين الذين عبدوا معه غيره ، وهو الخالق لكل شيء ، المقتدر على كل شيء { قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً } أي نظراء وأمثالاً تعبدونها معه ، { ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } أي الخالق للأشياء هو رب العالمين كلهم ، وهذا المكان فيه تفصيل لقوله تعالى : { خَلَقَ ٱلسَمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } [ الأعراف : 54 ] ففصل هٰهنا ما يختص بالأرض مما اختص بالسماء ، فذكر أنه خلق الأرض أولاً لأنها كالأساس ، والأصل أن يبدأ بالأساس ، ثم بعده بالسقف ، كما قال عزّ وجلّ : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ } [ البقرة : 29 ] الآية ، فأما قوله تعالى : { أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَاهَا } [ النازعات : 27 ] إلى قوله : { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا } [ النازعات : 30 - 31 ] ، ففي هذه الآية أن دحو الأرض كان بعد خلق السماء ، فالدحو مفسر بقوله : { أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا } [ النازعات : 31 ] وكان هذا بعد خلق السماء ، فأما خلق الأرض فقبل خلق السماء بالنص ، وبهذا أجاب ابن عباس فيما ذكره البخاري عن سعيد بن جبير قال : قال رجل لابن عباس رضي الله عنهما : إني لأجد في القرآن أشياء تختلف عليّ ، قال : { فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } [ المؤمنون : 101 ] ، { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } [ الصافات : 27 ، الطور : 25 ] ، { وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } [ النساء : 42 ] ، { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] فقد كتموا في هذه الآية ، وقال تعالى : { أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَاهَا } [ النازعات : 27 ] - إلى قوله - { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } [ النازعات : 30 ] فذكر خلق السماء قبل خلق الأرض ثم قال : تعالى : { قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } - إلى قوله - { طَآئِعِينَ } فذكر في هذه خلق الأرض قبل خلق السماء ، قال : { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [ النساء : 96 ] ، { عَزِيزاً حَكِيماً } [ النساء : 56 ] ، { سَمِيعاً بَصِيراً } [ النساء : 58 ] فكأنه كان ثم مضى ، فقال ابن عباس رضي الله عنهما : { فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } [ المؤمنون : 101 ] في النفخة الأولى ، كما قال تعالى : { فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ } [ الزمر : 68 ] ، وفي النفخة الأخرى { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } [ الصافات : 27 ، الطور : 25 ] . وأما قوله : { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] ، { وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } [ النساء : 42 ] ، فإن الله تعالى يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم فيقول المشركون : تعالوا نقول : لم نكن مشركين ، فيختم على أفواههم ، فتنطق أيديهم ، فعند ذلك يعرف أن الله تعالى لا يكتم حديثاً ، وعنده { يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ النساء : 42 ، الحجر : 2 ] الآية ، وخلق الأرض في يومين ، ثم خلق السماء ، ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين ، ثم دحى الأرض ، ودحيها أن أخرج منها الماء والمرعى وخلق الجبال والرمال والجماد والآكام وما بينهما في يومين آخرين ، فذلك قوله تعالى : { دَحَاهَا } وقوله : { خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } فخلق الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام وخلق السماوات في يومين ، { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [ النساء : 96 ] سمى نفسه بذلك ، وذلك قوله أي لم يزل كذلك ، فإن الله تعالى لم يرد شيئاً إلا أصاب به الذي أراد ، فلا يختلفن عليك القرآن ، فإن كلا من عند الله عزّ وجلّ . وقوله تعالى : { خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } يعني يوم الأحد ويوم الأثنين ، { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا } أي جعلها مباركة قابلة للخير والبذر والغراس ، وقدر فيها أقواتها ، وهو ما يحتاج أهلها إليه من الأرزاق والأماكن التي تزرع وتغرس يعني يوم الثلاثاء والأربعاء ، فهما مع اليومين السابقين أربعة ولهذا قال : { فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ } أي لمن أراد السؤال ، عن ذلك ليعلمه . وقال عكرمة ومجاهد في قوله عزّ وجلّ { وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا } جعل في كل أرض ما لا يصلح في غيرها ، ومنه العصب باليمن ، والسابوري بسابور ، والطيالسة بالري . وقال ابن عباس وقتادة والسدي في قوله تعالى : { سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ } أي لمن أراد السؤال عن ذلك ، وقال ابن زيد : { وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا } أي على وفق مراده ، من له حاجة إلى رزق أو حاجة ، فإن الله تعالى قدر له ما هو محتاج إليه ، وهذا القول يشبه قوله تعالى : { وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ } [ إبراهيم : 34 ] والله أعلم . وقوله تبارك وتعالى : { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ } وهو بخار الماء المتصاعد منه حين خلقت الأرض ، { فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً } أي استجيبا لأمري طائعتين أو مكرهتين ، قال ابن عباس في قوله تعالى : { فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً } قال الله تبارك وتعالى للسماوات أطلعي شمسي وقمري ونجومي ، وقال للأرض : شققي أنهارك وأخرجي ثمارك ، { قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } واختاره ابن جرير . وقيل : تنزيلاً لهن معاملة من يعقل بكلامهما ، وقال الحسن البصري : لو أبيا عليه أمره لعذبهما عذاباً يجدان ألمه { فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ فِي يَوْمَيْنِ } أي ففرغ في تسويتهن سبع سماوات { فِي يَوْمَيْنِ } أي آخرين وهما يوم الخميس ويوم الجمعة ، { وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا } أي ورتب مقرراً في كل سماء ما تحتاج إليه من الملائكة وما فيها من الأشياء التي لا يعلمها إلا هو ، { وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ } وهي الكواكب المنيرة المشرقة على أهل الأرض ، { وَحِفْظاً } أي حرساً من الشياطين أن تستمع إلى الملأ الأعلى ، { ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } أي العزيز الذي قد عز كل شيء فغلبه وقهره ، { ٱلْعَلِيمِ } بجميع حركات المخلوقات وسكناتهم . روي " أن اليهود أتت النبي صلى الله عليه وسلم ، فسألته عن خلق السماوات والأرض ، فقال صلى الله عليه وسلم : " خلق الله تعالى الأرض يوم الأحد ويوم الاثنين ، وخلق الجبال يوم الثلاثاء وما فيهن من منافع ، وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء المدائن والعمران والخراب ، فهذه أربعة { قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ } لمن سأله ، قال : وخلق يوم الخميس السماء ، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقيت منه وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء مما ينتفع به الناس ، وفي الثالثة آدم وأسكنه الجنة وأمر إبليس بالسجود له وأخرجه منها في آخر ساعة " ، ثم قالت اليهود : ثم ماذا يا محمد ؟ قال : " ثم استوى على العرش " ، قالوا قد أصبت لو أتممت ، قالوا : ثم استراح ، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً " فنزل : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ * فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } [ ق : 38ـ39 ] .