Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 15-20)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى مخبراً عن المشركين فيما افتروه وكذبوه ، في جعلهم بعض الأنعام لطواغيتهم ، وبعضها لله تعالى ، وكذلك جعلوا له من الأولاد أخسهما وأردأهما وهو البنات ، كما قال تعالى : { أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنْثَىٰ * تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ } [ النجم : 21 - 22 ] ، وقال جلّ وعلا هٰهنا : { وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ ٱلإنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ } ، ثم قال جلّ وعلا : { أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِٱلْبَنِينَ } ؟ وهذا إنكار عليهم غاية الإنكار ، ثم ذكر تمام الإنكار فقال جلَّت عظمته : { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } أي إذا بشر أحد هؤلاء بما جعلوه لله من البنات ، يأنف من ذلك غاية الأنفة ، وتعلوه كآبة من سوء ما بُشِّرَ به ، ويتوارى من القوم من خجله ، من ذلك ، يقول تبارك وتعالى : فكيف تأنفون أنتم من ذلك ، وتنسبونه إلى الله عزّ وجلّ ؟ ثم قال سبحانه وتعالى : { أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي ٱلْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } أي المرأة ناقصة يكمل نقصها بلبس الحلي ، منذ تكون طفلة ، وإذا خاصمت فهي عاجزة عَيِيّة ، أَوَ من يكون هكذا ينسب إلى جناب الله العظيم ؟ فالأنثى ناقصة الظاهر والباطن في الصورة والمعنى ، فيكمل نقص مظاهرها وصورتها بلبس الحلي ، ليجبر ما فيها من نقص ، كما قال بعض شعراء العرب : @ وما الحلي إلا زينة من نقيصة يتمِّم من حسن إذا الحسن قَصَّرا وأما إذا كان الجمال مُوَفَّراً كحسنك لم يحتج إلى أن يُزَوّرا @@ وأما نقص معناها فإنها ضعيفة عاجزة عن الانتصار ، كما قال بعض العرب وقد بشر ببنت : " ما هي بنعم الولد ، نصرها بكاء ، وبرها سرقة " . وقوله تبارك وتعالى : { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً } أي اعتقدوا فيهم ذلك فأنكر عليهم تعالى قولهم ذلك فقال : { أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ } ؟ أي شاهدوه وقد خلقهم الله إناثاً ؟ { سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ } أي بذلك { وَيُسْأَلُونَ } عن ذلك يوم القيامة ، وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد ، { وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ } أي لو أراد الله لحال بيننا وبين عبادة هذه الأصنام ، التي هي على صور الملائكة بنات الله ، فإنه عالمٌ بذلك وهو يقرنا عليه ، فجمعوا بين أنواع كثيرة من الخطأ : ( أحدها ) : جعلهم لله تعالى ولداً ، تعالى وتقدس وتنزه عن ذلك علواً كبيراً ، ( الثاني ) : دعواهم أنه اصطفى البنات على البنين ، فجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمٰن إناثاً ، ( الثالث ) : عبادتهم لهم مع ذلك كله بلا دليل ولا برهان بل بمجرد الآراء والأهواء ، والتقليد للأسلاف والكبراء ، والخبط في الجاهلية الجهلاء ، ( الرابع ) : احتجاجهم بتقديرهم على ذلك قدراً ، وقد جهلوا في هذا الاحتجاج جهلاً كبيراً ، فإنه منذ بعث الرسل وأنزل الكتب يأمر بعبادته وحده لا شريك له وينهى عن عبادة ما سواه ، قال تعالى : { وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } [ الزخرف : 45 ] وقال جلّ وعلا في هذه الآية : { مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ } أي بصحة ما قالوه واحتجوا به { إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } أي يكذبون ويتقولون ، وقال مجاهد : يعني ما يعلمون قدرة الله تبارك وتعالى على ذلك .