Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 1-8)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى : { حـمۤ * وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } أي البيِّن الواضح الجلي ، المنزل بلغة العرب التي هي أفصح اللغات ، ولهذا قال تعالى { إِنَّا جَعَلْنَاهُ } أي أنزلناه { قُرْآناً عَرَبِيّاً } أي بلغة العرب ، فصيحاً واضحاً { لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } أي تفهمونه وتتدبرونه ، كما قال عزّ وجل { بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ } [ الشعراء : 195 ] وقوله تعالى : { وَإِنَّهُ فِيۤ أُمِّ ٱلْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } بيّن شرفه في الملأ الأعلى ، ليشرّفه ويعظمه ويطيعه أهل الأرض ، فقال تعالى { وَإِنَّهُ } أي القرآن { فِيۤ أُمِّ ٱلْكِتَابِ } أي اللوح المحفوظ { لَدَيْنَا } أي عندنا { لَعَلِيٌّ } أي ذو مكانة عظيمة ، وشرف وفضل { حَكِيمٌ } أي محكم بريء من اللبس والزيغ ، وهذا كله تنبيه على شرفه وفضله ، كما قال تبارك وتعالى : { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } [ الواقعة : 77 - 79 ] ، وقال تعالى : { فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ * مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ } [ عبس : 13 - 16 ] ، ولهذا استنبط العلماء من هاتين الآيتين ، أن المحدث لا يمس المصحف ، لأن الملائكة يعظمون المصاحف ، المشتملة على القرآن في الملأ الأعلى ، فأهل الأرض بذلك أولى وأحرى ، لأنه نزل عليهم ، وخطابه متوجه إليهم ، فهم أحق أن يقابلوه بالإكرام والتعظيم ، والانقياد له بالقبول والتسليم ، لقوله تعالى : { وَإِنَّهُ فِيۤ أُمِّ ٱلْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } ، وقوله عزّ وجلّ : { أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ } ؟ اختلف المفسرون في معناها فقيل معناها : أتحسبون أن نصفح عنكم فلا نعذبكم ، ولم تفعلوا ما أمرتم به ، قاله ابن عباس واختاره ابن جرير ، وقال قتادة : والله لو أن هذا القرآن رفع حين ردته أوائل هذه الأمة لهلكوا ، ولكن الله تعالى عاد بعائدته ورحمته فكرره عليهم ، ودعاهم إليه عشرين سنة أو ما شاء الله من ذلك ، وقول قتادة لطيف المعنى جداً ، وحاصله أنه يقول في معناه : أنه تعالى من لطفه ورحمته بخلقه لا يترك دعاءهم إلى الخير ، وإلى الذكر الحكيم وهو ( القرآن ) وإن كانوا مسرفين معرضين عنه ، بل أمر به ليهتدي به من قدّر هدايته ، وتقوم الحجة على من كتب شقاوته ، ثم قال جلّ وعلا مسلياً لنبيّه صلى الله عليه وسلم في تكذيب من كذبه من قومه : { وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي ٱلأَوَّلِينَ } أي في شِيَع الأولين { وَمَا يَأْتِيهِم مِّنْ نَّبِيٍّ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } أي يكذبونه ويسخرون به ، { فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً } أي فأهلكنا المكذبين بالرسل ، وقد كانوا أشد بطشاً من هؤلاء المكذبين لك يا محمد ، كقوله عزّ وجلّ : { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوۤاْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً } [ غافر : 82 ] والآيات في ذلك كثيرة جداً . وقوله جلّ جلاله { وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلأَوَّلِينَ } قال مجاهد : سنتهم ، وقال قتادة : عقوبتهم ، وقال غيرهما : عبرتهم : أي جعلناهم عبرة لمن بعدهم من المكذبين أن يصيبهم ما أصابهم ، كقوله تعالى : { فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِّلآخِرِينَ } [ الزخرف : 56 ] ، وكقوله جلَّت عظمته : { سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ } [ غافر : 85 ] ، وقوله : { وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } [ الأحزاب : 62 ، الفتح : 23 ] .