Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 81-89)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى : { قُلْ } يا محمد { إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ } أي لو فرض هذا لعبدته على ذلك ، لأني من عبيده مطيع لجميع ما يأمرني به ، ليس عندي استكبار ولا إباء عن عبادته ، فلو فرض هذا لكان هذا ، ولكن هذا ممتنع في حقه تعالى : والشرط لا يلزم منه الوقوع ولا الجواز أيضاً ، كما قال عزّ وجلّ : { لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاَّصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ سُبْحَانَهُ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ } [ الزمر : 4 ] ، وقال بعض المفسرين في قوله تعالى : { فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ } أي الآنفين ، وقال ابن عباس : { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ } يقول : لم يكن للرحمٰن ولد فأنا أول الشاهدين ، وقال قتادة : هي كلمة من كلام العرب أي إن ذلك لم يكن فلا ينبغي ، وقال أبو صخر { فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ } أي فأنا أول من عبده بأن لا ولد له ، وأول من وحده ، وقال مجاهد : أي أول من عبده وحده وكذّبكم ، وقال البخاري { فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ } الآنفين وهما لغتان : رجل عابد وعبد ، والأول أقرب على أنه شرط وجزاء ولكن هو ممتنع ، وقال السدي : معناه ولو كان له ولد كنت أول من عبده بأن له ولداً ، ولكن لا ولد له ، وهو اختيار ابن جرير ، ولهذا قال تعالى : { سُبْحَانَ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ } أي تعالى وتقدس وتنزه خالق الأشياء ، عن أن يكون له ولد ، فإنه فرد صمد ، لا نظير له ، ولا كفء له ، فلا ولد له ، وقوله تعالى : { فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ } أي في جهلهم وضلالهم { وَيَلْعَبُواْ } في دنياهم { حَتَّىٰ يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ } وهو يوم القيامة ، أي فسوف يعلمون كيف يكون مصيرهم ومآلهم وحالهم في ذلك اليوم . وقوله تبارك وتعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمآءِ إِلَـٰهٌ وَفِي ٱلأَرْضِ إِلَـٰهٌ } أي هو إلٰه من في السماء ، وإلٰه من في الأرض يعبده أهلهما ، وكلهم خاضعون له أذلاء بين يديه ، { وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ } وهذه الآية كقوله سبحانه وتعالى : { وَهُوَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَفِي ٱلأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ } [ الأنعام : 3 ] أي هو المدعو الله في السماوات والأرض { وَتَبَارَكَ ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا } أي هو خالفهما ومالكهما والمتصرف فيهما بلا مدافعة ولا ممانعة ، فسبحانه وتعالى عن الولد { وَتَبَارَكَ } أي استقر له السلامة من العيوب والنقائص ، لأن الرب العلي العظيم المالك للأشياء ، الذي بيده أزمة الأمور نقضاً وإبراماً ، { وَعِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } أي لا يجليها لوقتها إلا هو ، { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } أي فيجازي كلاًّ بعمله ، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر ، ثم قال تعالى : { وَلاَ يَمْلِكُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ } أي من الأصنام والأوثان { ٱلشَّفَاعَةَ } أي لا يقدرون على الشفاعة لهم { إِلاَّ مَن شَهِدَ بِٱلْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } هذا استثناء منقطع ، أي لكن من شهد بالحق على بصيرة وعلم ، فإنه تنفع شفاعته عنده بإذنه له ، ثم قال عزَّ وجلَّ : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } أي ولئن سألت هؤلاء المشركين بالله العابدين معه غيره { مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } أي هم يعترفون أنه الخالق للأشياء جميعها وحده لا شريك له في ذلك ، ومع هذا يعبدون معه غيره ممن لا يملك شيئاً ولا يقدر على شيء ، فهم في ذلك في غاية الجهل والسفاهة وسخافة العقل ، ولهذا قال تعالى : { فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } ؟ . وقوله جلّ وعلا : { وَقِيلِهِ يٰرَبِّ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ } أي وقال محمد صلى الله عليه وسلم { وَقِيلِهِ } أي شكا إلى ربه شكواه من قومه الذين كذبوه فقال : يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون ، كما أخبر تعالى في الآية الأُخْرى : { وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يٰرَبِّ إِنَّ قَوْمِي ٱتَّخَذُواْ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ مَهْجُوراً } [ الفرقان : 30 ] ، وقال مجاهد في قوله : { وَقِيلِهِ يٰرَبِّ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ } قال : يؤثر الله عزّ وجلّ قول محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال قتادة : هو قول نبيكم صلى الله عليه وسلم يشكو قومه إلى ربه عزّ وجلّ ، وقوله تعالى : { فَٱصْفَحْ عَنْهُمْ } ، أي عن المشركين ، { وَقُلْ سَلاَمٌ } أي لا تجاوبهم بمثل ما يخاطبونك به من الكلام السيء ، ولكن تألفهم واصفح عنهم فعلاً وقولاً ، { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } هذا تهديد من الله تعالى لهم ، ولهذا أحل بهم بأسه الذي لا يرد ، وأعلى دينه وكلمته ، وشرع بعد ذلك الجهاد والجلاد ، حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً ، وانتشر الإسلام في المشارق والمغارب ، والله أعلم .