Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 44, Ayat: 9-16)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى : بل هؤلاء المشركون في شك يلعبون أي قد جاءهم الحق اليقين ، وهم يشكون فيه ويمترون ولا يصدقون به ، ثم قال عزَّ وجلَّ متوعداً لهم ومهدداً : { فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } قال مسروق : دخلنا المسجد ، يعني مسجد الكوفة ، فإذا رجل يقص على أصحابه { يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } تدرون ما ذلك الدخان ؟ ذلك دخان يأتي يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ، ويأخذ المؤمنين منه شبه الزكام ، قال : فأتينا ابن مسعود رضي الله عنه فذكرنا ذلك له ، وكان مضطجعاً ففزع فقعد ، وقال : إن الله عزّ وجلّ قال لنبيكم صلى الله عليه وسلم : { قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَآ أَنَآ مِنَ ٱلْمُتَكَلِّفِينَ } [ ص : 86 ] ، إن من العلم أن يقول الرجل لما لا يعلم : الله أعلم ، سأحدثكم عن ذلك : إن قريشاً لما أبطأت عن الإسلام واستعصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، دعا عليهم بسنين كسني يوسف ، فأصابهم من الجهد والجوع ، حتى أكلوا العظام والميتة ، وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء ، فلا يرون إلا الدخان ، وفي رواية : فجعل الرجل ينظر إلى السماء ، فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد ، قال الله تعالى : { فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ * يَغْشَى ٱلنَّاسَ هَـٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } ، فأُتِي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل : يا رسول الله ، استسق الله لمضر ، فإنها قد هلكت ، فاستسقى صلى الله عليه وسلم لهم ، فسقوا ، فنزلت : { إِنَّا كَاشِفُو ٱلْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ } ، قال ابن مسعود رضي الله عنه : أفيكشف عنهم العذاب يوم القيامة ؟ فلما أصابهم الرفاهية عادوا إلى حالهم ، فأنزل الله عزّ وجلّ : { يَوْمَ نَبْطِشُ ٱلْبَطْشَةَ ٱلْكُبْرَىٰ إِنَّا مُنتَقِمُونَ } قال : يعني يوم بدر . قال ابن مسعود رضي الله عنه ، فقد مضى خمسة : الدخان والروم والقمر والبطشة واللزام . وقال آخرون : لم يمض الدخان بعد ، بل هو من أمارات الساعة ، كما تقدم من حديث حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه قال : أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة ، ونحن نتذاكر الساعة ، فقال صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات : طلوع الشمس من مغربها ، والدخان والدابة ، وخروج يأجوج ومأجوج ، وخروج عيسى ابن مريم ، والدجال ، وثلاثة خسوف : خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس - أو تحشر الناس - تبيت معهم حيث باتوا ، وتقيل معهم حيث قالوا " وفي " الصحيحين " " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابن صياد : " إني خبأت لك خبأ " قال : هو الدُّخ ، فقال صلى الله عليه وسلم له : " إخسأ فلن تعدو قدرك " قال : وخبأ له رسول الله صلى الله عليه وسلم : { فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } " وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن ربكم أنذركم ثلاثاً : الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة ، ويأخذ الكافر ، فينتفخ حتى يخرج من كل مسمع منه ، والثانية الدابة ، والثالثة الدجال " . وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يهيج الدخان بالناس ، فأما المؤمن فيأخذه كالزكمة ، وأما الكافر فينفخه حتى يخرج من كل مسمع منه " ، وقال ابن أبي حاتم ، عن علي رضي الله عنه قال : لم تمض آية الدخان بعد ، يأخذ المؤمن كهيئة الزكام وتنفخ الكافر حتى ينفذ ، وروى ابن جرير ، عن عبد الله بن أبي مليكة قال : غدوت على ابن عباس رضي الله عنهما ذات يوم فقال : ما نمت الليلة حتى أصبحت ، قلت : لِمَ ؟ قال ، قالوا : طلع الكوكب ذو الذنب ، فخشيت أن يكون الدخان قد طرق فما نمت حتى أصبحت ، وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس رضي الله عنهما حبر الأمة وترجمان القرآن ، وهكذا قول من وافقه من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين من الأحاديث المرفوعة من الصحاح والحسان وغيرهما التي أوردوها ، مما فيه مقنع ودلالة ظاهرة على أن الدخان من الآيات المنتظرة مع أنه ظاهر القرآن ، قال الله تبارك وتعالى : { فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } أي بين واضح يراه كل أحد ، وعلى ما فسر به ابن مسعود رضي الله عنه إنما هو خيال رأوه في أعينهم من شدة الجوع والجهد ، وهكذا قوله تعالى : { يَغْشَى ٱلنَّاسَ } أي يتغشاهم ويعمهم ، ولو كان أمراً خيالياً يخص أهل مكة المشركين لما قيل فيه { يَغْشَى ٱلنَّاسَ } ، وقوله تعالى : { هَـٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي يقال لهم ذلك تقريعاً وتوبيخاً كقوله عزّ وجلّ : { يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا * هَـٰذِهِ ٱلنَّارُ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ } [ الطور : 13 - 14 ] ، أو يقول بعضهم لبعض ذلك . وقوله سبحانه وتعالى : { رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ إِنَّا مْؤْمِنُونَ } أي يقول الكافرون إذا عاينوا عذاب الله وعقابه سائلين رفعه وكشفه عنهم كقوله جلت عظمته : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُواْ يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الأنعام : 27 ] ، وكذا قوله جل وعلا : { وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ } [ إبراهيم : 44 ] ، وهكذا قال جلّ وعلا هٰهنا : { أَنَّىٰ لَهُمُ ٱلذِّكْرَىٰ وَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ * ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ } . يقول : كيف لهم بالتذكر وقد أرسلنا إليهم رسولاً بيِّن الرسالة والنذارة ، ومع هذا تولوا عنه وما وافقوه ، بل كذبوه وقالوا معلم مجنون ، وهذا كقوله جلَّت عظمته : { يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } [ الفجر : 23 ] ؟ . وقوله تعالى : { إِنَّا كَاشِفُو ٱلْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ } يحتمل معنيين : ( أحدهما ) : أنه يقول تعالى : ولو كشفنا عنكم العذاب ورجعناكم إلى الدار الدنيا ، لعدتم إلى ما كنتم فيه من الكفر والتكذيب . كقوله تعالى : { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [ الأنعام : 28 ] . ( والثاني ) : أن يكون المراد : إنا مؤخرو العذاب عنكم قليلاً بعد انعقاد أسبابه ووصوله إليكم ، وأنتم مستمرون فيما أنتم فيه من الطغيان والضلال ، ولا يلزم من الكشف عنهم أن يكون باشرهم كقوله تعالى : { إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ } [ يونس : 98 ] ولم يكن العذاب باشرهم واتصل بهم بل كان قد انعقد سببه عليهم ، ولا يلزم أيضاً أن يكونوا قد أقلعوا عن كفرهم ثم عادوا إليه ، قال الله تعالى إخباراً عن شعيب عليه السلام أنه قال لقومه حين قالوا : { لَنُخْرِجَنَّكَ يٰشُعَيْبُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ * قَدِ ٱفْتَرَيْنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا ٱللَّهُ مِنْهَا } [ الأعراف : 88 - 89 ] ، وشعيب عليه السلام لم يكن قط على ملتهم وطريقتهم وقال قتادة : إنكم عائدون إلى عذاب الله . وقوله عزّ وجلّ : { يَوْمَ نَبْطِشُ ٱلْبَطْشَةَ ٱلْكُبْرَىٰ إِنَّا مُنتَقِمُونَ } : فسر ذلك ابن مسعود رضي الله عنه بيوم بدر ، وروي أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو محتمل ، والظاهر أن ذلك يوم القيامة وإن كان يوم بدر يوم بطشة أيضاً ، روى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ، قال ابن مسعود رضي الله عنه { ٱلْبَطْشَةَ ٱلْكُبْرَىٰ } يوم بدر ، وأنا أقول هي يوم القيامة . وهذا إسناد صحيح عن ابن عباس ، والله أعلم .