Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 20-23)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى مخبراً عن المؤمنين ، أنهم تمنوا شرعية الجهاد ، فلما فرضه الله عزَّ جلَّ وأمر به ، نكل عنه كثير من الناس كقوله تبارك وتعالى : { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا ٱلْقِتَالَ لَوْلاۤ أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ } [ النساء : 77 ] وقال عزَّ وجلَّ هٰهنا : { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ } أي مشتملة على القتال { فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلْقِتَالُ رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ ٱلْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ } أي من فزعهم ورعبهم وجبنهم من لقاء الأعداء ، ثم قال مشجعاً لهم : { فَأَوْلَىٰ لَهُمْ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ } أي وكان الأولى بهم أن يسمعوا ويطيعوا ، أي في الحالة الراهنة { فَإِذَا عَزَمَ ٱلأَمْرُ } أي جد الحال ، وحضر القتال { فَلَوْ صَدَقُواْ ٱللَّهَ } أي أخلصوا له النية { لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } ، وقوله سبحانه وتعالى : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ } أي عن الجهاد ونكلتم عنه { أَن تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَتُقَطِّعُوۤاْ أَرْحَامَكُمْ } ؟ أي تعودوا إلى ما كنتم فيه من الجاهلية الجهلاء ، تسفكون الدماء وتقطعون الأرحام ، ولهذا قال تعالى : { أَوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ } وهذا نهي عن الإفساد في الأرض عموماً ، وعن قطع الأرحام خصوصاً ، بل قد أمر الله تعالى بالإصلاح في الأرض وصلة الأرحام ، وقد وردت الأحاديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خلق الله تعالى الخلق ، فلما فرغ منه قامت الرحم ، فأخذت بحقوي الرحمٰن عزَّ وجلَّ ، فقال : مه ، فقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة ، فقال تعالى : ألا ترضين أن أصل من وصلك ، وأقطع من قطعك ؟ قالت : بلى ، قال : فذاك لك " قال أبو هريرة رضي الله عنه : اقرأوا إن شئتم { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَتُقَطِّعُوۤاْ أَرْحَامَكُمْ } . وروى الإمام أحمد عن أبي بكرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من ذنب أحرى أن يعجل الله تعالى عقوبته في الدنيا مع ما يدخر لصاحبه في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم " وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن لي ذوي أرحام : أصل ويقطعون ، وأعفو ويظلمون ، وأحسن ويسيئون ، أفاكافئهم ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " لا ، إذن تتركون جميعاً ، ولكنْ جُدْ بالفضل وصلهم ، فإنه لن يزال معك ظهير من الله عزَّ وجلَّ ما كنت على ذلك " " وقال الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الرحم معلقة بالعرش ، وليس الواصل بالمكافىء ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها " ، وفي الحديث القدسي : " قال الله عزَّ وجلَّ أنا الرحمٰن خلقت الرحم وشققت لها اسماً من اسمي ، فمن يصلها أصله ، ومن يقطعها أقطعه فأبتُّه " ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف " وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا ظهر القول وخزن العمل وائتلفت الألسنة وتباغضت القلوب ، وقطع كل ذي رحم رحمه ، فعند ذلك لعنهم الله وأصمهم وأعمى أبصارهم " ، والأحاديث في هذا كثيرة ، والله أعلم .