Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 47, Ayat: 32-35)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى عمن كفر وصد عن سبيل الله ، وخالف الرسول وشاقه ، وارتد عن الإيمان من بعد ما تبين له الهدى ، أنه لن يضر الله شيئاً ، وإنما يضر نفسه ويخسرها يوم معادها ، وسيحبط الله عمله ، فلا يثيبه على سالف ما تقدم من عمله مثقال بعوضة من خير ، بل يحبطه ويمحقه بالكلية ، كما أن الحسنات يذهبن السيئات ، وقد قال أبو العالية : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون أنه لا يضر مع لا إلٰه إلاّ الله ذنب كما لا ينفع مع الشرك عمل فنزلت : { أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوۤاْ أَعْمَالَكُمْ } فخافوا أن يبطل الذنب العمل ، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كنا معشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نرى أنه ليس شيء من الحسنات إلاّ مقبول ، حتى نزلت : { أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوۤاْ أَعْمَالَكُمْ } فقلنا : ما هذا الذي يبطل أعمالنا ؟ فقلنا : الكبائر الموجبات والفواحش ، حتى نزل قوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [ النساء : 48 ، 116 ] ، فلما نزلت كففنا عن القول في ذلك ، فكنا نخاف على من أصاب الكبائر والفواحش ، ونرجو لمن لم يصبها ، ثم أمر تبارك وتعالى عباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله ، التي هي سعادتهم في الدنيا والآخرة ، ونهاهم عن الارتداد الذي هو مبطل للأعمال ، ولهذا قال تعالى : { وَلاَ تُبْطِلُوۤاْ أَعْمَالَكُمْ } أي بالردة ، ولهذا قال بعدها : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } ، كقوله سبحانه وتعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [ النساء : 48 ، 116 ] الآية ، ثم قال جلَّ وعلا لعباده المؤمنين : { فَلاَ تَهِنُواْ } أي لا تضعفوا عن الأعداء ، { وَتَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلسَّلْمِ } أي المهادنة والمسالمة ووضع القتال بينكم وبين الكفار في حال قوتكم ، ولهذا قال : { وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ } أي في حال علوكم على عدوكم ، فأما إذا كان الكفار فيهم قوة وكثرة بالنسبة إلى جميع المسلمين ، ورأى الإمام في المهادنة والمعاهدة مصلحة ، فله أن يفعل ذلك ، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صده كفار قريش عن مكة ودعوه إلى الصلح ووضع الحرب بينهم وبينه عشر سنين ، فأجابهم صلى الله عليه وسلم إلى ذلك ، وقوله جلت عظمته : { وَٱللَّهُ مَعَكُمْ } فيه بشارة عظيمة بالنصر والظفر على الأعداء ، { وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } أي لن يحبطها ويبطلها ويسلبكم إياها ، بل يوفيكم ثوابها ولا ينقصكم منها شيئاً ، والله أعلم .