Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 4-9)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى مرشداً للمؤمنين إلى ما يعتمدونه في حروبهم مع المشركين : { فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ } أي إذا واجهتموهم فاحصدوهم حصداً بالسيوف ، { حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ } أي أهلكتموهم قتلاً ، { فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ } الأسارى الذين تأسرونهم ، ثم أنتم بعد انقضاء الحرب وانفصال المعركة مخيرون في أمرهم ، إن شئتم مننتم عليهم فأطلقتم أساراهم مجاناً ، وإن شئتم فاديتموهم بمال تأخذونه منهم ، والظاهر أن هذه الآية نزلت بعد وقعة بدر ، فإن الله سبحانه وتعالى عاتب المؤمنين على الاستكثار من الأسارى يومئذٍ ليأخذوا منهم الفداء فقال : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ } [ الأنفال : 67 ] ، ثم قد ادعى بعض العلماء أن الآية منسوخة بقوله تعالى : { فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [ التوبة : 5 ] الآية ، روي عن ابن عباس والضحاك والسدي . وقال الأكثرون : ليست بمنسوخة ، والإمام مخير بين المن على الأسير ومفاداته ، وله أن يقتله إن شاء لحديث قتل النبي صلى الله عليه وسلم ( النضر بن الحارث ) و ( عقبة بن أبي معيط ) من أسارى بدر ، وقال الشافعي رحمه الله : الإمام مخيَّر بين قتله أو المن عليه أو مفاداته أو استرقاقه ، وقوله عزَّ وجلَّ : { حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } قال مجاهد : حتى ينزل عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام ، وكأنه أخذه من قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يقاتل آخرهم الدجال " وهذا يقوي القول بعدم النسخ ، كأنه شرع هذا الحكم في الحرب إلى أن لا يبقى حرب ، وقال قتادة { حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } حتى لا يبقى شرك ، وهذا كقوله تعالى : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ للَّهِ } [ البقرة : 193 ] ثم قال بعضهم : حتى تضع الحرب أوزارها أي أوزار المحاربين وهم المشركون بأن يتوبوا إلى الله عزَّ وجلَّ ، وقيل : أوزار أهلها بأن يبذلوا الوسع في طاعة الله تعالى ، وقوله عزّ وجل : { ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ } أي هذا ولو شاء الله لانتقم من الكافرين بعقوبة ونكال من عنده { وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ } أي ولكن شرع لكم الجهاد وقتال الأعداء ، ليختبركم ويبلو أخباركم ، كما ذكر حكمته في شرعية الجهاد في قوله تعالى : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ٱلصَّابِرِينَ } [ آل عمران : 142 ] . وقال تعالى : { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ } [ التوبة : 14 ] ، ثم لما كان من شأن القتال أن يقتل كثير من المؤمنين قال : { وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ } أي لن يذهبها بل يكثرها وينميها ويضاعفها ، ومنهم من يجري عليه عمله طول برزخه ، كما ورد بذلك الحديث عن المقدام بن معد يكرب الكِنْدي رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن للشهيد عند الله ست خصال : أن يغفر له في أول دفقة من دمه ، ويرى مقعده من الجنة ، ويحلى حلة الإيمان . ويزوج من الحور العين ، ويجار من عذاب القبر ، ويأمن من الفزع الأكبر ، ويوضع على رأسه تاج الوقار مرصع بالدر والياقوت ، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ، ويزوج اثنتين وسبعين من الحور العين ، ويشفع في سبعين إنساناً من أقاربه " وفي " صحيح مسلم " عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يغفر للشهيد كل شيء إلاّ الدين " ، وفي الصحيح : " يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته " ، والأحاديث في فضل الشهيد كثيرة جداً . وقوله تبارك وتعالى : { سَيَهْدِيهِمْ } أي إلى الجنة { وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ } أي أمرهم وحالهم ، { وَيُدْخِلُهُمُ ٱلْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ } أي عرفهم بها وهداهم إليها ، قال مجاهد : يهتدي أهلها إلى بيوتهم ومساكنهم ، وحيث قسم الله لهم منها ، لا يخطئون كأنهم ساكنوها منذ خلقوا ، وقال محمد بن كعب : يعرفون بيوتهم إذا دخلوا الجنة كما تعرفون بيوتكم إذا انصرفتم من الجمعة ، وقال مقاتل : بلغنا أن الملك الذي كان وكل بحفظ عمله في الدنيا يمشي بين يديه في الجنة ، ويتبعه ابن آدم حتى يأتي أقصى منزل هو له فيعرفه كل شيء أعطاه الله تعالى في الجنة ، فإذا انتهى إلى أقصى منزله في الجنة دخل إلى منزله وأزواجه وانصرف الملك عنه ، وقد ورد الحديث الصحيح بذلك عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار يتقاضون مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة ، والذي نفسي بيده إن أحدهم بمنزله في الجنة أهدى منه بمنزله الذي كان في الدنيا " ، ثم قال تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } ، كقوله عزَّ وجلَّ : { وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ } [ الحج : 40 ] فإن الجزاء من جنس العمل ، ولهذا قال تعالى : { وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } ، كما جاء في الحديث : " من بلّغ ذا سلطان حاجة من لا يستطيع إبلاغها ، ثبَّت الله تعالى قدميه على الصراط يوم القيامة " ، ثم قال تبارك وتعالى : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ } عكس تثبيت الأقدام للمؤمنين . وقد ثبت في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " تعس عبد الدينار ، تعس عبد الدرهم : تعس عبد القطيفة ، تعس وانتكس ، وإذا شيك فلا انتقش " أي فلا شفاه الله عزَّ وجلَّ ، وقوله سبحانه وتعالى : { وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } أي أحبطها وأبطلها ، ولهذا قال : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } أي لا يريدونه ولا يحبونه { فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } .