Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 48, Ayat: 1-3)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

نزلت هذه السورة الكريمة لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية ، في ذي القعدة من سنة ست من الهجرة ، حين صده المشركون عن الوصول إلى المسجد الحرام ، وحالوا بينه وبين العمرة ، ثم مالوا إلى المصالحة والمهادنة ، وأن يرجع عامه هذا ثم يأتي من قابل ، فأجابهم إلى ذلك على كره من جماعة من الصحابة ، منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فلما نحر هديه حيث أحصر ورجع ، أنزل الله عزَّ وجلَّ هذه السورة ، وجعل ذلك الصلح فتحاً باعتبار ما فيه من المصلحة ، وما آل الأمر إليه ، كما روى ابن مسعود رضي الله عنه وغيره ، أنه قال : إنكم تعدون الفتح ( فتح مكة ) ونحن نعد الفتح صلح الحديبية ، وروى البخاري عن البراء رضي الله عنه قال : " تعدون أنتم الفتح فتح مكة ، وقد كان فتح مكة فتحاً ، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية ، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عشرة مائة والحديبية بئر فنزحناها ، فلم نترك فيها قطرة ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتاها فجلس على شفيرها ، ثم دعا بإناء من ماء ، فتوضأ ثم تمضمض ودعا ثم صبه فيها ، فتركناها غير بعيد ، ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركائبنا " ، وروى الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر قال : فسألته عن شيء ثلاث مرات فلم يرد عليَّ ، قال : فقلت في نفسي ثكلتك أمك يا ابن الخطاب ، ألححت ، كررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات فلم يرد عليك ! قال : فركبت راحلتي فحركت بعيري ، فتقدمت مخافة أن يكون نزل فيَّ شيء ، قال : فإذا أنا بمناد : يا عمر ، قال : فرجعت وأنا أظن أنه نزل فيَّ شيء ، قال ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " نزل عليّ البارحة سورة هي أحب إليَّ من الدنيا وما فيها : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً * لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } " " وعن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال : " نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم : { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } مرجعه من الحديبية ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لقد أنزلت عليَّ الليلة آية أحب إليّ مما على الأرض ، ثم قرأها عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : هنيئاً مريئاً يا نبي الله ، بيّن الله عزَّ وجلَّ ما يفعل بك ، فماذا يفعل بنا ؟ فنزلت عليه صلى الله عليه وسلم : { لِّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } - حتى بلغ - { فَوْزاً عَظِيماً } " وروى الإمام أحمد عن المغيرة بن شعبة قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حتى تورمت قدماه ، فقيل له : أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " أفلا أكون عبداً شكوراً ؟ " " ، وروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى قام حتى تتفطر رجلاه ، فقالت له عائشة رضي الله عنها : يا رسول الله أتصنع هذا وقد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " يا عائشة أفلا أكون عبداً شكوراً ؟ " " . فقوله تعالى : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } أي بيناً ظاهراً ، والمراد به ( صلح الحديبية ) فإنه حصل بسببه خير جزيل ، وآمن الناس واجتمع بعضهم ببعض ، وتكلم المؤمن مع الكافر ، وانتشر العلم النافع والإيمان ، وقوله تعالى : { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } هذا من خصائصه صلى الله عليه سلم التي لا يشاركه فيها غيره ، وليس في حديث صحيح في ثواب الأعمال لغيره غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وهذا فيه تشريف عظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو صلى الله عليه وسلم في جميع أموره على الطاعة والبر والاستقامة التي لم ينلها بشر سواه ، لا من الأولين ولا من الآخرين ، وهو صلى الله عليه وسلم أكمل البشر على الإطلاق ، وسيدهم في الدنيا والآخرة ، ولما كان أطوع خلق الله تعالى وأشدهم تعظيماً لأوامره ونواهيه قال حين بركت به الناقة ، حبسها حابس الفيل ، ثم قال صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لا يسألوني اليوم شيئاً يعظمون به حرمات الله إلاّ أجبتهم إليها " فلما أطاع الله في ذلك وأجاب إلى الصلح قال الله تعالى له : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً * لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ } أي في الدنيا والآخرة ، { وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } أي بما يشرعه لك من الشرع العظيم والدين القويم ، { وَيَنصُرَكَ ٱللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً } أي بسبب خضوعك لأمر الله عزَّ وجلَّ يرفعك الله وينصرك على أعدائك ، كما جاء في الحديث الصحيح : " وما زاد الله عبداً بعفو إلاّ عزاً وما تواضع أحد لله عزَّ وجلَّ إلاّ رفعه الله تعالى " ، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : ما عاقبت أحداً عصى الله تعالى فيك بمثل أن تطيع الله تبارك وتعالى فيه .