Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 48, Ayat: 25-26)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى مخبراً عن الكفار من مشركي العرب ، من قريش ومن مالأهم على نصرتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم : { هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي هم الكفار دون غيرهم { وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } أي وأنتم أحق به وأنتم أهله في نفس الأمر { وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ } أي وصدوا الهدي أن يصل إلى محله ، وهذا من بغيهم وعنادهم ، وكان الهدي سبعين بدنة ، وقوله عزَّ وجلَّ : { وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ } أي بين أظهرهم ممن يكتم إيمانه ويخفيه منهم ، خيفة على أنفسهم من قومهم ، لكنا سلطناكم عليهم فقتلتموهم وأبدتم خضراءهم ، ولكن بين أفنائهم من المؤمنين والمؤمنات أقوام لا تعرفونهم حالة القتل ، ولهذا قال تعالى : { لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ } أي إثم وغرامة { بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ } أي يؤخر عقوبتهم ليخلص من بين أظهرهم المؤمنين ، وليرجع كثير منهم إلى الإسلام ، ثم قال تبارك وتعالى : { لَوْ تَزَيَّلُواْ } أي لو تميز الكفار من المؤمنين الذين بين أظهرهم { لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } أي لسلطناكم عليهم فلقتلتموهم قتلاً ذريعاً . عن جنيد بن سبيع قال : " قاتلت رسول الله صلى الله عليه وسلم أول النهار كافراً ، وقاتلت معه آخر النهار مسلماً ، وفينا نزلت : { وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ } ، قال : كنا تسعة نفر سبعة رجال وامرأتين " . وقال ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : { لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } يقول : لو تزيل الكفار من المؤمنين لعذبهم الله عذاباً أليماً بقتلهم إياهم ، وقوله عزَّ وجلَّ : { إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ } وذلك حين أبوا أن يكتبوا : بسم الله الرحمٰن الرحيم ، وأبوا أن يكتبوا : هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله { فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ } وهي قول : لا إلٰه إلا الله ، كما قال ابن جرير " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ } قال : " لا إلٰه إلا الله " " ، وقال ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب إن أبا هريرة رضي الله عنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إلٰه إلا الله فمن قال : لا إلٰه إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله عزَّ وجلَّ " ، وأنزل الله عزَّ وجلَّ في كتابه وذكر قوماً فقال : { إِنَّهُمْ كَانُوۤاْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ } [ الصافات : 35 ] ، وقال الله جلَّ ثناؤه : { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ وَكَانُوۤاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا } وهي لا إلٰه إلا الله محمد رسول الله ، فاستكبروا عنها واستكبر عنها المشركون يوم الحديبية ، فكاتبهم رسول الله صلى الله عليه سلم على قضية المدة ، وقال مجاهد : كلمة التقوى الإخلاص ، وقال عطاء : هي لا إلٰه إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، وقال علي رضي الله عنه : { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ } قال : لا إلٰه إلا الله والله أكبر ، وقال ابن عباس { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ } يقول شهادة أن لا إلٰه إلاّ الله وهي رأس كل تقوى ، وقال سعيد بن جبير : { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ } لا إلٰه إلا الله والجهاد في سبيله ، { وَكَانُوۤاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا } كان المسلمون أحق بها وكانوا أهلها { وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } أي هو عليم بمن يستحق الخير ممن يستحق الشر . ( ذكر الأحاديث الواردة في قصة الحديبية وقصة الصلح ) روى الإمام أحمد عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم رضي الله عنهما قالا : " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد زيارة البيت ، لا يريد قتالاً ، وساق معه الهدي سبعين بدنة ، وكان الناس سبعمائة رجل ، فكانت كل بدنة عن عشرة ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا كان بعسفان ، لقيه بشر بن سفيان الكعبي ، فقال : يا رسول الله هذه قريش قد سمعت بمسيرك فخرجت معها العوذ المطافيل ، قد لبست جلود النمور ، يعاهدون الله تعالى أن لا تدخلها عليهم عنوة أبداً ، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قدموه إلى كراع الغميم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا ويح قريش قد أكلتهم الحرب ، ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر الناس ؟ فإن أصابوني كان الذي أرادوا ، وإن أظهرني الله تعالى دخلوا في الإسلام وهم وافرون ، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة ، فماذا تظن قريش ؟ فوالله لا أزال أجاهدهم على الذي بعثني الله تعالى به حتى يظهرني الله عزَّ وجلَّ أو تنفرد هذه السالفة " ثم أمر الناس فسلكوا ذات اليمين بين ظهري الحمض على طريق تخرجه على ثنية المرار والحديبية من أسفل مكة ، قال : فسلك بالجيش تلك الطريق ، فلما رأت خيل قريش فترة الجيش قد خالفوا عن طريقهم ركضوا راجعين إلى قريش ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا سلك ثنية المرار بركت ناقته ، فقال الناس : خلأت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما خلأت " وما ذلك لها بخلق ، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة ، والله لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها ثم قال صلى الله عليه وسلم للناس : " انزلوا " قالوا : يا رسول الله ما بالوادي من ماء ينزل عليه الناس ، فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم سهماً من كنانته ، فأعطاه رجلاً من أصحابه فنزل في قليب من تلك القلب ، فغرزه فيه ، فجاش بالماء حتى ضرب الناس عنه بعطن فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ( بديل بن ورقاء ) في رجال من خزاعة ، فقال لهم كقوله لبشر بن سفيان ، فرجعوا إلى قريش ، فقالوا : يا معشر قريش إنكم تعجلون على محمد صلى الله عليه وسلم ، إن محمداً لم يأت لقتال إنما جاء زائراً لهذا البيت معظماً لحقه فاتهموهم " . وروى البخاري رحمه الله في " صحيحه " ، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه قالا : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه ، فلما أتى ذا الحليفة ، قلد الهدي وأشعره ، وأحرم منها بعمرة ، وبعث عيناً من خزاعة وسار حتى إذا كان بغدير الأشطاط أتاه عينه فقال : " إن قريشاً قد جمعوا لك جموعاً وقد جمعوا لك الأحابيش ، وهم مقاتلوك وصادوك ومانعوك فقال صلى الله عليه وسلم : " أشيروا أيها الناس عليّ ، أترون أن نميل على عيالهم وذراري هؤلاء الذين يريدون أن يصدونا عن البيت ، أم ترون أن نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه " ؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله خرجت عامداً لهذا البيت لا تريد قتل أحد ولا حرباً ، فتوجه له ، فمن صدنا عنه قاتلناه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " فامضوا على اسم الله تعالى " ، حتى إذا كانوا ببعض الطريق ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن خالد بن الوليد في خيل لقريش طليعة ، فخذوا ذات اليمين فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة الجيش ، فانطلق يركض نذيراً لقريش ، وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته ، فقالت الناس : حل حل ، فألحت ، فقالوا : خلأت القصواء ، خلأت القصواء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما خلأت القصواء ، وما ذاك لها بخلق ، ولكن حبسها حابس الفيل " ؛ ثم قال صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله تعالى إلا أعطيتهم إياها " ثم زجرها ، فوثبت ، فعدل عنهم ، حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء يتبرضه الناس تبرضاً فلم يلبث الناس حتى نزحوه ، وشُكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش ، فانتزع صلى الله عليه وسلم من كنانته سهماً ، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه ، فوالله ما زال بجيش لهم بالري حتى صدروا عنه ، فبينما هم كذلك إذ جاء ( بديل من ورقاء ) الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة وكانوا عبية نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تهامة فقال : إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا عدا مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل ، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنا لم نجيء لقتال أحد ، ولكن جئنا معتمرين ، وإنَّ قريشاً قد نهكتهم الحرب فأضرت بهم ، فإن شاءوا ماددتهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس ، فإن أظهر فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا وإلا فقد حموا ، وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي أو لينفذن الله أمره " قال بديل : سأبلغهم ما تقول ، فانطلق حتى أتى قريشاً فقال : إنا قد جئنا من عند هذا الرجل وسمعناه يقول قولاً ، فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا ، فقال سفهاؤهم : لا حاجة لنا أن تخبرنا عنه بشيء ، وقال ذوو الرأي منهم : هات ما سمعته يقول ، قال : سمعته يقول : كذا وكذا ، فحدثهم بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقام عروة بن مسعود فقال أي قوم : ألستم بالوالد ؟ قالوا : بلى ، قال : وألست بالولد ؟ قالوا بلى ، قال فهل تتهمونني ؟ قالوا : لا ، قال : ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني ؟ قالوا : بلى ، قال : فإن هذا قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ، ودعوني آته ، قالوا : ائته ، فأتاه فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم له نحواً من قوله لبديل بن ورقاء ، فقال عروة عند ذلك : أي محمد أرأيت إن استأصلت قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك ؟ وإن تك الأُخْرى فإني والله لأرى وجوهاً ، وإني لأرى أشواباً من الناس خليقاً أن يفروا ويدعوك ، فقال له أبو بكر رضي الله عنه : امصص بظر اللات ، أنحن نفر وندعه ؟ قال : من ذا ؟ قالوا : أبا بكر ، قال : أما والذي نفسي بيده لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك . قال : وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم ، فكلما كلمه أخذ بلحيته صلى الله عليه وسلم والمغيرة بن شعبة رضي الله عنه قائم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم ومعه السيف وعليه المغفر ، وكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم ضرب يده بنعل السيف ، وقال : أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم . فرفع عروة رأسه ، وقال : من هذا ؟ قال : المغيرة بن شعبة ، قال : أي غدر ، ألست أسعى في غدرتك ؟ - وكان المغيرة بن شعبة رضي الله عنه صحب قوماً في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ، ثم جاء فأسلم - فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أما الإسلام فأقبل ، وأما المال فلست منه في شيء " ، ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعينيه ، قال : فوالله ما تنخّم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم ، فدلك بها وجهه وجلده ، وإذا أمرهم ابتدروا أمره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ، وما يُحِدُّون النظر إليه تعظيماً له صلى الله عليه وسلم ؛ فرجع عروة إلى أصحابه . فقال : أي قوم والله لقد وفدت على الملوك ، ووفدت على كسرى وقيصر والنجاشي ، والله ما رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداً ، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم ، فدلك بها وجهه وجلده ، وإذا أمرهم ابتدروا أمره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ، وما يحدون النظر إليه تعظيماً له ، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ، فقال رجل منهم من بني كنانة : دعوني آته ، فقالوا : ائته ، فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له " ، فبعثت له ، واستقبله الناس يلبون ، فلما رأى ذلك قال : سبحان الله ما ينبغي لهولاء أن يصدوا عن البيت ، فلما رجع إلى أصحابه ، قال : رأيت البدن قد قلدت وأشعرت ، فما أرى أن يصدوا عن البيت ، فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص ، فقال : دعوني آته ، فقالوا : ائته ، فلما أشرف عليهم قال النبي صلى الله عليه وسلم : " هذا مكرز وهو رجل فاجر " فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم ، فبينما هو يكلم إذ جاء سهيل بن عمرو ، وقال معمر : أخبرني أيوب عن عكرمة أنه قال : لما جاء سهيل بن عمرو قال النبي صلى الله عليه وسلم : " قد سهل لكم من أمركم " . قال معمر ، قال الزهري في حديثه : فجاء سهيل بن عمرو فقال : هات اكتب بيننا وبينك كتاباً ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بعلي رضي الله عنه ، وقال : " اكتب بسم الله الرحمٰن الرحيم " ، فقال سهيل بن عمرو : أما الرحمٰن فوالله ما أدري ما هو ، ولكن اكتب : باسمك اللهم كما كنت تكتب ، فقال المسلمون : والله لا نكتبها إلا باسم الله الرحمٰن الرحيم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اكتب باسمك اللهم " ثم قال : " هذا ما قضى عليه محمد رسول الله " ، فقال سهيل : والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ، ولكن اكتب : محمد بن عبد الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " والله إني لرسول الله وإن كذبتموني ، اكتب : محمد بن عبد الله " " . قال الزهري : " وذلك لقوله : " والله لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله تعالى إلاّ أعطيتهم إياها " . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به " ، فقال سهيل : والله لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة ، ولكن ذلك من العام المقبل ، فكتب ، فقال سهيل : وعلى أن لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلاّ رددته إلينا ، فقال المسلمون : سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلماً ؟ فبينما هم كذلك إذ جاء ( أبو جندل ) بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده ، قد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين ، فقال سهيل : هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن ترده إليَّ ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنا لم نقض الكتاب بعد " ، قال . فوالله إذاً لا أصالحك على شيء أبداً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " فأجزه لي " ، قال : ما أنا بمجيز ذلك لك ، قال : " بلى فافعل " ، قال : ما أنا بفاعل ، قال مكرز : بلى قد أجزناه لك ، قال أبو جندل : أي معشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلماً ، ألا ترون ما قد لقيت ؟ وكان قد عذب عذاباً شديداً في الله عزَّ وجلَّ ، قال عمر رضي الله عنه : فأتيت نبي الله صلى لله عليه وسلم فقلت : ألست نبي الله حقاً ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " بلى " ، قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " بلى " ، قلت : فلم نعطى الدنية في ديننا إذاً ؟ قال صلى الله عليه وسلم : إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري ، قلت : أولست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " بلى أفأخبرتك أنا نأتيه العام " ، قلت : لا ، قال صلى الله عليه وسلم : فإنك آتيه ومطوف به ، قال ، فأتيت أبا بكر ، فقلت : يا أبا بكر ! أليس هذا نبي الله حقاً ؟ قال : بلى ، قلت : ألسنا على الحق وعدوّنا على الباطل ؟ قال : بلى ، قلت : فلم نعطى الدنية في ديننا إذاً ؟ قال : أيها الرجل إنه رسول الله وليس يعصي ربه وهو ناصره ، فاستمسك بغرزه ، فوالله إنه على الحق ، قلت : أوليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ؟ قال : بلى ، قال : أفأخبرك أنك تأتيه العام ؟ قلت : لا ، قال : فإنك تأتيه وتطوف به " . قال الزهري : " قال عمر رضي الله عنه : فعملت لذلك أعمالاً ، قال : فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " قوموا فانحروا ثم احلقوا " ، قال : فوالله ما قام منهم رجل ، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ثلاث مرات ، فلما لم يقم منهم أحد دخل صلى الله عليه وسلم على أُمّ سلمة رضي الله عنها ، فذكر لها ما لقي من الناس ، قالت له أم سلمة رضي الله عنها : يا نبي الله أتحب ذلك ؟ اخرج ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة ، حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك ، نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه . فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضاً حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً ، ثم جاءه نسوة مؤمنات فأنزل الله عزَّ وجلَّ : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ } - حتى بلغ - { بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ } فطلق عمر رضي الله عنه يومئذٍ امرأتين كانتا له في الشرك ، فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان ، والأُخرى صفوان بن أُمية ، ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فجاءه ( أبو بصير ) رجل من قريش وهو مسلم ، فأرسلوا في طلبه رجلين ، فقالوا : العهد الذي جعلت لنا ، فدفعه إلى الرجلين ، فخرجا به ، حتى إذا بلغا ذا الحليفة فنزلوا يأكلون من تمر لهم ، فقال أبو بصير لأحد الرجلين : والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيداً ، فاستله الآخر ، فقال : أجل ، والله إنه لجيد ، لقد جربت منه ، ثم جربت فقال أبو بصير : أرني أنظر إليه ، فأمكنه منه ، فضربه حتى برد ، وفر الآخر ، حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعدو ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه : " لقد رأى هذا ذعراً " ، فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : قتل والله صاحبي ، وإني لمقتول ، فجاء أبو بصير ، فقال : يا رسول الله قد والله أوفى الله ذمتك قد رددتني إليهم ، ثم نجاني الله تعالى منهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ويل أمه مسعر حرب لو كان معه أحد " ، فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم ، فخرج حتى أتى سيف البحر ، قال : وتفلت منهم أبو جندل بن سهيل ، فلحق بأبي بصير ، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلاّ لحق بأبي بصير ، حتى اجتمعت منهم عصابة ، فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام ، إلاّ اعترضوا لها فقتلوهم ، وأخذوا أموالهم ، فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم ، لما أرسل إليهم فمن أتاه منهم فهو آمن ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم ، وأنزل الله عزَّ وجلَّ : { وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ } حتى بلغ { حَمِيَّةَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ } وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه رسول الله ولم يقروا ببسم الله الرحمٰن الرحيم ، وحالوا بينهم وبين البيت " . وقال الإمام أحمد ، عن أنس رضي الله عنه قال : " إن قريشاً صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم وفيهم ( سهيل بن عمرو ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه : " اكتب بسم الله الرحمٰن الرحيم " ، فقال سهيل : لا ندري ما بسم الله الرحمٰن الرحيم ، ولكن اكتب : باسمك اللهم ، فقال صلى الله عليه وسلم : " اكتب من محمد رسول الله " ، قال : لو نعلم أنك رسول الله لأتبعناك ، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اكتب من محمد بن عبد الله " ، واشترطوا عليه صلى الله عليه وسلم ، أن من جاء منكم لا نرده عليكم ، ومن جاءكم منا رددتموه علينا ، فقال : يا رسول الله أنكتب هذا ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " نعم إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله " " وروى الإمام أحمد ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية سبعين بدنة ، فيها جمل لأبي جهل ، فلما صدت عن البيت حنت كما تحن إلى أولادها " .