Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 48, Ayat: 20-24)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال مجاهد في قوله تعالى : { وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا } هي جميع المغانم إلى اليوم { فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ } يعني فتح خيبر ، وروى العوفي عن ابن عباس { فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ } يعني صلح الحديبية { وَكَفَّ أَيْدِيَ ٱلنَّاسِ عَنْكُمْ } أي لم ينلكم سوء مما كان أعداؤكم أضمروه لكم من المحاربة والقتال ، وكذلك كف أيدي الناس عنكم الذين خلفتموهم وراء ظهوركم عن عيالكم وحريمكم { وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ } أي يعتبرون بذلك ، فإن الله تعالى حافظهم وناصرهم على سائر الأعداء مع قلة عددهم ، وليعلموا بصنيع الله هذا بهم أنه العالم بعواقب الأمور ، وأن الخيرة فيما يختاره لعباده المؤمنين وإن كرهوه في الظاهر ، كما قال عزَّ وجلَّ : { وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } [ البقرة : 216 ] ، { وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } أي بسبب انقيادكم لأمره واتباعكم طاعته وموافقتكم رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقوله تبارك وتعالى : { وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً } أي وغنيمة أخرى وفتحاً آخر معيناً لم تكونوا تقدرون عليها ، قد يسرها الله عليكم وأحاط بها لكم ، فإنه تعالى يرزق عباده المتقين من حيث لا يحتسبون ، وقد اختلف المفسرون في هذه الغنيمة ما المراد بها ؟ فقال ابن عباس : هي خيبر ، وقال الضحاك وقتادة : هي مكة ، واختاره ابن جرير ، وقال الحسن البصري : هي فارس والروم ، وقال مجاهد هي كل فتح وغنيمة إلى يوم القيامة ، وقوله تعالى : { وَلَوْ قَـٰتَلَكُمُ ٱلَّذِينَ كفَرُواْ لَوَلَّوُاْ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } يقول عزَّ وجلَّ مبشراً لعباده المؤمنين ، بأنه لو ناجزهم المشركون لنصر الله رسوله وعباده المؤمنين عليهم ، ولانهزم جيش الكفر فاراً مدبراً { لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } لأنهم محاربون لله ولرسوله ولحزبه المؤمنين ، ثم قال تبارك وتعالى : { سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } أي هذه سنة الله وعادته في خلقه ، ما تقابل الكفر والإيمان في موطن فيصل ، إلا نصر الله الإيمان على الكفر ، فرفع الحق ووضع الباطل ، كما فعل تعالى يوم بدر بأوليائه المؤمنين ، نصرهم على أعدائه من المشركين ، مع قلة عدد المسلمين وكثرة المشركين ، وقوله سبحانه وتعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً } هذا امتنان من الله تعالى على عباده المؤمنين ، حين كف أيدي المشركين عنهم ، فلم يصل إليهم منهم سوء ، وكف أيدي المؤمنين عن المشركين فلم يقاتلوهم عند المسجد الحرام ، بل صان كلاً من الفريقين وأوجد بينهم صلحاً ، فيه خيرة للمؤمنين وعاقبة لهم في الدنيا والآخرة ، روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : لما كان يوم الحديبية هبط على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثمانون رجلاً من أهل مكة بالسلاح ، من قبل جبل التنعيم ، يريدون غرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعا عليهم ، فأخذوا ، قال عفان : فعفا عنهم ، ونزلت هذه الآية : { وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ } . وقال أحمد أيضاً عن عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه قال : " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصل الشجرة التي قال الله تعالى في القرآن ، وكان يقع من أغصان تلك الشجرة على ظهر رسول الله صلى الله عليه سلم وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وسهيل بن عمرو بين يديه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه : " اكتب بسم الله الرحمٰن الرحيم " فأخذ سهيل بيده ، وقال : ما نعرف الرحمٰن الرحيم ، اكتب في قضيتنا ما نعرف ، فقال : " اكتب باسمك اللهم - وكتب - هذا ما صالح عليه محمد رسول الله أهل مكة " فأمسك سهيل بن عمرو بيده ، وقال : لقد ظلمناك إن كنت رسوله ! اكتب في قضيتنا ما نعرف ، فقال : " اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله " فبينا نحن كذلك ، إذ خرج علينا ثلاثون شاباً عليهم السلاح ، فثاروا في وجوهنا فدعا عليهم رسول الله صلى عليه وسلم ، فأخذ الله بأسماعهم فقمنا إليهم فأخذناهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هل جئتم في عهد أحد ؟ أو هل جعل لكم أحد أماناً ؟ " فقالوا : لا ، فخلى سبيلهم فأنزل الله تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ } " الآية . وروى ابن إسحاق عن عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنه قال : إن قريشاَ بعثوا أربعين رجلاً منهم أو خمسين ، وأمروهم أن يطيفوا بعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصيبوا من أصحابه أحداً ، فأخذوا أخذاً ، فأُتي بهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، فعفا عنهم ، وخلى سبيلهم ، وقد كانوا رموا إلى عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجارة والنبل ، قال ابن إسحاق : وفي ذلك أنزل الله تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم } الآية .