Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 48, Ayat: 8-10)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : { إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً } أي على الخلق ، { وَمُبَشِّراً } أي للمؤمنين ، { وَنَذِيراً } أي للكافرين ، { لِّتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ } قال ابن عباس وغير واحد : تعظموه ، { وَتُوَقِّرُوهُ } من التوقير ، وهو الاحترام والإجلال والإعظام ، { وَتُسَبِّحُوهُ } أي تسبحون الله ، { بُكْرَةً وَأَصِيلاً } أي أول النهار وآخره ، ثم قال عزَّ وجلَّ لرسوله تشريفاً له وتعظيماً وتكريماً : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } ، كقوله جلَّ وعلا : { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } [ النساء : 80 ] ، { يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } أي هو حاضر معهم ، يسمع أقوالهم ويرى مكانهم ، ويعلم ضمائرهم وظواهرهم ، فهو تعالى المبايع بواسطة رسوله ، كقوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ } [ التوبة : 111 ] ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سل سيفه في سبيل الله فقد بايع الله " ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجر : " والله ليبعثنه الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة له عينان ينظر بهما ولسان ينطق به ويشهد على من استلمه بالحق ، فمن استلمه فقد بايع الله تعالى " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } ، ولهذا قال تعالى هٰهنا : { فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ } أي إنما يعود وبال ذلك على الناكث ، والله غني عنه { وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } أي ثواباً جزيلاً ، وهذه البيعة هي ( بيعة الرضوان ) وكانت تحت شجرة سمرة بالحديبية ، وكان الصحابة رضي الله عنهم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ ألفاً وأربعمائة ، روى البخاري ومسلم عن جابر رضي الله عنه قال : كنا يوم الحديبية ألفاً وأربعمائة ، ووضع يده في ذلك الماء ، فجعل الماء ينبع من بين أصابعه ، حتى رووا كلهم ، وفي رواية في " الصحيحين " عن جابر رضي الله عنه : أنهم كانوا خمس عشرة مائة . " ذكر سبب هذه البيعة العظيمة " قال محمد بن إسحاق في " السيرة " : ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليبعثه إلى مكة ، ليبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له ، فقال : يا رسول الله إني أخاف قريشاً على نفسي ، وليس بمكة من بني عدي بن كعب من يمنعني ، وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظي عليها ، ولكني أدلك على رجل أعز بها مني ، عثمان بن عفان رضي الله عنه نبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش ، يخبرهم أنه لم يأت لحرب ، وأنه إنما جاء زائراً لهذا البيت ومعظماً لحرمته ، فخرج عثمان رضي الله عنه إلى مكة ، فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة أو قبل أن يدخلها ، فحمله بين يديه ، ثم أجاره ، حتى بلَّغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانطلق عثمان رضي الله عنه حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش ، فبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرسله به ، فقالوا لعثمان رضي الله عنه حين فرغ من رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم : إن شئت أن تطوف بالبيت فطف ، فقال : ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واحتبسته قريش عندها ، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن عثمان رضي الله عنه قد قتل . قال ابن إسحاق : فحدثني عبد الله بن أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين بلغه أن عثمان قد قتل : " لا نبرح حتى نناجز القوم " ، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة فكانت ( بيعة الرضوان ) تحت الشجرة ، فكان الناس يقولون : بايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت . وكان جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبايعهم على الموت ولكن بايعنا على أن لا نفر ، فبايع الناس ، ولم يتخلف أحد من المسلمين حضرها إلا الجد بن قيس فكان جابر رضي الله عنه يقول : والله لكأني أنظر إليه لاصقاً بإبط ناقته قد صبأ إليها ، يستتر بها من الناس ، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي كان من أمر عثمان رضي الله عنه باطل ، قال أنس بن مالك رضي الله عنه : لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيعة الرضوان كان عثمان بن عفان رضي الله عنه رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة ، فبايع الناس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " اللهم إن عثمان في حاجة الله تعالى وحاجة رسوله " فضرب بإحدى يديه على الأخرى ، فكانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان رضي الله عنه خيراً من أيديهم لأنفسهم " قال البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : إن الناس كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تفرقوا في ظلال الشجر ، فإذا الناس محدقون بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يعني عمر رضي الله عنه ، يا عبد الله انظر ما شأن الناس قد أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوجدهم يبايعون ، فبايع ، ثم رجع إلى عمر رضي الله عنه فخرج فبايع ، وروى البخاري عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة ، قال يزيد : قلت يا أبا مسلمة على أي شيء كنتم تبايعون يومئذٍ ؟ قال : على الموت . وثبت في " الصحيحين " عن سعيد بن المسيب قال : " كان أبي ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة قال : فانطلقنا من قابل حاجين ، فخفي علينا مكانها " ، وروى الحميدي عن جابر رضي الله عنه قال : كنا يوم الحديبية ألفاً وأربعمائة ، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنتم خير أهل الأرض اليوم " قال جابر رضي الله عنه : لو كنت أبصر لأريتكم موضع الشجرة . وروى الإمام أحمد عن جابر رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة " ولهذا قال تعالى في الثناء عليهم : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } .