Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 49, Ayat: 12-12)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ناهياً عباده المؤمنين عن كثير من الظن ، وهو التهمة والتخون للأهل والناس في غير محله ، لأن بعض ذلك يكون إثماً محضاً ، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيراً وأنت تجد لها في الخير محملاً ، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول : " ما أطيبك وأطيب ريحك ! ما أعظمك وأعظم حرمتك ! والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله تعالى حرمة منك ، ماله ودمه وأن يظن به إلا خيراً " وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ، ولا تجسسوا ، ولا تحسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخواناً " . وعن أنَس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخواناً ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام " وروى الطبراني ، عن حارثة بن النعمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " ثلاث لازمات لأمتي : الطيرة والحسد وسوء الظن " ، فقال رجل : وما يذهبهن يا رسول الله ممن هن فيه ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " إذا حسدت فاستغفر الله ، وإذا ظننت فلا تحقق ، وإذا تطيرت فامض " " وروى أبو داود ، عن زيد رضي الله عنه قال : أتي ابن مسعود رضي الله عنه برجل فقيل له : هذا فلان تقطر لحيته خمراً ، فقال عبد الله رضي الله عنه : " إنا قد نهينا عن التجسس ، ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به " . وروى الإمام أحمد ، عن أبي الهيثم عن دجين كاتب عقبة قال : " قلت لعقبة إن لنا جيراناً يشربون الخمر ، وأنا داع لهم الشرط فيأخذونهم قال : لا تفعل ، ولكن عظهم وتهددهم ، قال : ففعل فلم ينتهوا ، قال : فجاءه دجين ، فقال : إني قد نهيتهم وإني داع لهم الشرط ، فتأخذهم ، فقال له عقبة : ويحك لا تفعل ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من ستر عورة مؤمن فكأنما استحيا موءودة من قبرها " " { وَلاَ تَجَسَّسُواْ } أي على بعضكم بعضاً ، والتجسس غالباً يطلق في الشر ومنه الجاسوس ، وأما التحسس فيكون غالباً في الخير ، كما قال عزَّ وجلَّ إخباراً عن يعقوب : { يٰبَنِيَّ ٱذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ } [ يوسف : 87 ] . وقال الأوزاعي : التجسس البحث عن الشيء ، والتحسس الاستماع إلى حديث القوم ، أو يتسمع على أبوابهم ، والتدابر : الصرم . وقوله تعالى : { وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً } فيه نهي عن الغيبة ، وقد فسّرها الشارع كما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود ، عن أبي هريرة ، قال : " قيل : يا رسول الله ما الغيبة ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " ذكرك أخاك بما يكره " قيل : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهتّه " " وعن عائشة رضي الله عنها قالت : " قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : حسبك من صفية كذا وكذا ، تعني قصيرة ، فقال صلى الله عليه وسلم : " لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته " . قالت : وحكيت له إنساناً ، فقال صلى الله عليه وسلم : " ما أحب أني حكيت إنساناً ، وإن لي كذا وكذا " " والغيبة محرمة بالإجماع ، ولا يستثنى من ذلك إلا ما رجحت مصلحته ، كما في الجرح والتعديل والنصيحة ، " كقوله صلى الله عليه وسلم ، لما استأذن عليه ذلك الرجل الفاجر : " ائذنوا له بئس أخو العشيرة " " ، وكقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس رضي الله عنها وقد خطبها معاوية وأبو الجهم : " أما معاوية فصعلوك وأما أبو الجهم فلا يضع عصاه عن عاتقه " ، وكذا ما جرى مجرى ذلك ، ثم بقيتها على التحريم الشديد ، وقد ورد فيها الزجر الأكيد ولهذا شبهها تبارك وتعالى بأكل اللحم من الإنسان الميت كما قال عزّ وجلّ : { أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ } أي كما تكرهون هذا طبعاً فاكرهوا ذاك شرعاً ، فإن عقوبته أشد من هذا ، وهذا من التنفير عنها والتحذير منها ، وثبت في الصحاح والحسان والمسانيد من غير وجه أنه صلى الله عليه وسلم قال في خطبة حجة الوداع : " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا " . وروى أبو داود ، عن أبي هريرة قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل المسلم على المسلم حرام ، ماله ، وعرضه ، ودمة ، حسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم " وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : " خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسمع العواتق في بيوتها ، أو قال : في خدورها ، فقال : " يا معشر من آمن بلسانه لا تغتابوا المسلمين ، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من يتبع عورة أخيه يتبع الله عورته ، ومن يتبع الله عورته يفضحه في جوف بيته " " . طريق أُخرى : عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يا معشر من آمن بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تغتابوا المسليمن ، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من يتبع عورات المسلمين يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله " ، قال ، ونظر ابن عمر يوماً إلى الكعبة فقال : ما أعظمك وأعظم حرمتك ، وللمؤمن أعظم حرمة عند الله منك . عن أنَس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم ، قلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم " ، وروى ابن أبي حاتم ، عن أبي سعيد الخدري قال : " قلنا : يا رسول الله حدّثنا ما رأيت ليلة أسري بك ؟ قال : " ثم انطلق بي إلى خلق من خلق الله كثير ، رجال ونساء ، موكل بهم رجال يعمدون إلى عرض جنب أحدهم ، فيجذون منه الجذة مثل النعل ، ثم يضعونها في فيِّ أحدهم ، فيقال له : كل كما أكلت - وهو يجد من أكله الموت يا محمد لو يجد الموت وهو يكره عليه - فقلت : يا جبرائيل من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الهمازون اللمازون أصحاب النميمة ، فيقال : { أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ } وهو يكره على أكل لحمه " " . وروى الحافظ البيهقي ، " عن عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امرأتين صامتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ! إن هٰهنا امرأتين صامتا ، وإنهما كادتا تموتان من العطش . أراه قال بالهاجرة ، فأعرض عنه أو سكت عنه ، فقال : يا نبي الله إنهما والله قد ماتتا ، أو كادتا تموتان ، فقال : " ادعمها " فجاءتا ، قال : فجيء بقدح أو عس ، فقال لإحداهما : " قيئي " ، فقاءت من قيح ودم وصديد ، حتى قاءت نصف القدح ، ثم قال للأُخْرى : " قيئي " ، فقاءت قيحاً ودماً وصديداً ولحماً ودماً عبيطاً وغيره ، حتى ملأت القدح ، ثم قال : " إن هاتين صامتا عما أحل الله تعالى لهما ، وأفطرتا على ما حرم الله عليهما ، جلست إحداهما إلى الأُخرى فجعلتا تأكلان لحوم الناس " " وروى الحافظ أبو يعلى ، عن ابن عمر " أن ماعزاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني قد زنيت ، فأعرض عنه ، حتى قالها أربعاً ، فلما كان في الخامسة قال : " زنيت " ؟ قال : نعم ، قال : " وتدري ما الزنا " ؟ قال : نعم ، أتيت منها حراماً ما يأتي الرجل من امرأته حلالاً ، قال : " ما تريد إلى هذا القول " ؟ قال : أُريد أن تطهّرني ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أدخلت ذلك منك في ذلك منها ، كما يغيب الميل في المكحلة والرشا في البئر " ؟ قال : نعم يا رسول الله ، قال : فأمر برجمه فرجم . فسمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلين يقول أحدهما لصاحبه : ألم تر إلى هذا الذي ستر الله عليه ، فلم تدعه نفسه حتى رجم رجْم الكلب ؟ ثم سار النبي صلى الله عليه وسلم حتى مرَّ بجيفة حمار ، فقال : " أين فلان وفلان ؟ إنزلا ، فكلا من جيفة هذا الحمار " ، قال : غفر الله لك يا رسول الله ، وهل يؤكل هذا ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " فما نلتما من أخيكما آنفاً أشد أكلاً منه ، والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها " " . وروى الإمام أحمد ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فارتفعت ريح جيفة منتنة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتدرون ما هذه الريح ؟ هذه ريح الذين يغتابون الناس ؟ " " وقوله عزّ وجلّ : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي فيما أمركم به ونهاكم عنه فراقبوه في ذلك واخشوا منه ، { إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ } أي تواب على من تاب إليه { رَّحِيمٌ } لمن رجع إليه واعتمد عليه ، قال الجمهور من العلماء : طريق المغتاب للناس في توبته أن يقلع عن ذلك ، ويعزم على أن لا يعود ، وهل يشترط الندم على ما فات ؟ فيه نزاع ، وأن يتحلل من الذي اغتابه ، وقال آخرون : لا يشترط أن يتحلله ، فإنه إذا أعلمه بذلك ربما تأذى أشد مما إذا لم يعلم بما كان منه ، فطريقه إذاً إن يثني عليه بما فيه في المجالس التي كان يذمه فيها ، وأن يرد عنه الغيبة بحسبه وطاقته ، لتكون تلك بتلك ؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من حمى مؤمناً من منافق يغتابه بعث الله تعالى إليه ملكاً يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم ، ومن رمى مؤمناً بشيء يريد سبه حبسه الله تعالى على جسر جهنم حتى يخرج مما قال " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من امرىء يخذل امرءاً مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه ، إلا خذله الله تعالى في مواطن يحب فيها نصرته ، وما من امرىء ينصر امرأ مسلماً في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله عزّ وجلّ في مواطن يحب فيها نصرته " .