Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 49, Ayat: 14-18)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى منكراً على الأعراب ، الذين ادعوا لأنفسهم مقام الإيمان ، ولم يتمكن الإيمان في قلوبهم بعد : { قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } ، وقد استفيد أن الإيمان أخص من الإسلام ، ويدل عليه حديث جبريل عليه الصلاة والسلام حين سأل عن الإسلام ، ثم عن الإيمان ، ثم عن الإحسان ، فترقى من الأعم ، إلى الأخص ، روى الإمام أحمد ، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : " أعطى رسول الله صلى الله عليه سلم رجالاً ولم يعط رجلاً منهم شيئاً ، فقال سعد رضي الله عنه : يا رسول الله أعطيت فلاناً وفلاناً ولم تعط فلاناً شيئاً وهو مؤمن ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أو مسلم ؟ " حتى أعادها سعد رضي الله عنه ثلاثاً والنبي يقول : " أو مسلم ؟ " ، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إني لأعطي رجالاً وأدع من هو أحبُّ إليَّ منهم ، فلم أعطه شيئاً مخافة أن يكبوا في النار على وجوههم " ، فقد فرّق النبي صلى الله عليه وسلم بين المؤمن والمسلم ، فدل على أن الإيمان أخص من الإسلام ، ودل على أن ذاك الرجل كان مسلماً ليس منافقاً ، لأنه تركه من العطاء ، ووكله إلى ما هو فيه من الإسلام ، فهؤلاء الأعراب المذكورون في هذه الآية ليسوا بمنافقين ، وإنما هم مسلمون لم يستحكم الإيمان في قلوبهم ، فادعوا لأنفسهم مقاماً أعلى مما وصلوا إليه ، فأدبوا في ذلك ، وإنما قلنا هذا لأن البخاري رحمه الله ذهب إلى أن هؤلاء كانوا منافقين يظهرون الإيمان وليسوا كذلك ، وقد روي عن سعيد بن جبير ومجاهد { وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا } : أي استسلمنا خوف القتل والسبي ، قال مجاهد : نزلت في بني أسد بن خزيمة ، وقال قتادة : نزلت في قوم امتنوا بإيمانهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والصحيح الأول أنهم قوم ادعوا لأنفسهم مقام الإيمان ولم يحصل لهم بعد فأدبوا وأعلموا أن ذلك لم يصلوا إليه بعد ، ولو كانوا منافقين لعنفوا وفضحوا ، وإنما قيل لهؤلاء تأديباً : { قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } أي لم تصلوا إلى حقيقة الإيمان بعد ، ثم قال تعالى : { وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً } أي لا ينقصكم من أجوركم شيئاً كقوله عزّ وجلّ : { وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ } [ الطور : 21 ] ، وقوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي لمن تاب إليه وأناب . وقوله تعالى : { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ } أي إنما المؤمنون الكمَّل { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ } أي لم يشكوا ولا تزلزلوا ، بل ثبتوا على حال واحدة ، وهي التصديق المحض ، { وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي وبذلوا مهجهم ونفائس أموالهم في طاعة الله ورضوانه ، { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ } أي في قولهم إذا قالوا إنهم مؤمنون ، لا كبعض الأعراب الذين ليس لهم من الإيمان إلا الكلمة الظاهرة ، وقوله سبحانه وتعالى : { قُلْ أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ بِدِينِكُمْ } أي أتخبرونه بما في ضمائركم ؟ { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } أي لا يخفى عليه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ، { وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } ، ثم قال تعالى : { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ } يعني الأعراب الذين يمنُّون بإسلامهم ومتابعتهم على الرسول صلى الله عليه وسلم ، يقول الله تعالى رداً عليهم : { قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ } فإن نفع ذلك إنما يعود عليكم ولله المنة عليكم فيه ، { بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أي في دعواكم ذلك ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار يوم حنين : " يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضُلاّلاً فهداكم الله بي ؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بي ؟ وكنتم عالة فأغناكم الله بي ؟ " كلما قال شيئاً قالوا : الله ورسوله أمنّ . وروى الحافظ البزار ، عن ابن إبي عباس رضي الله عنهما قال : " جاءت بنو أسد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله أسلمنا ، وقاتلتك العرب ولم نقاتلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن فقههم قليل ، وإن الشيطان ينطلق على ألسنتهم " " ، ونزلت هذه الآية : { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } ، ثم كرر الإخبار بعلمه بجميع الكائنات ، وبصره بأعمال المخلوقات فقال : { إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } .