Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 35-37)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى آمراً عباده المؤمنين بتقواه ، وهي إذا قرنت بطاعته كان المراد بها الانكفاف من المحارم وترك المنهيات ، وقد قال بعدها { وَٱبْتَغُوۤاْ إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ } قال ابن عباس : أي القربة ، وقال قتادة : أي تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه ، والوسيلة هي التي يتوصل بها إلى تحصيل المقصود ، والوسيلة أيضاً عَلَمٌ على أعلى منزلة في الجنة ، وهي منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وداره في الجنة ، وهي أقرب أمكنة الجنة إلى العرش ، وقد ثبت في صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قال حين يسمع النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة ، والصلاة القائمة ، آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته ، إلاّ حلت له الشفاعة يوم القيامة " ، ( حديث آخر ) : في صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم : " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا عليّ فإنه من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه عشراً ، ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلاّ لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة " ( حديث آخر ) : عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " " إذا صليتم عليّ فسلوا لي الوسيلة " ، قيل : يا رسول الله وما الوسيلة ؟ قال : " أعلى درجة في الجنة لا ينالها إلاّ رجل واحد ، وأرجو أن أكون أنا هو " عن ابن عباس قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سلوا الله لي الوسيلة فإنه لم يسألها لي عبد في الدنيا إلاّ كنت له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة " . وقوله تعالى : { وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } لما أمرهم بترك المحارم وفعل الطاعات أمرهم بقتال الأعداء ، من الكفار والمشركين الخارجين عن الطريق المستقيم . والتاركين للدين القويم ، ورغبهم في ذلك بالذي أعده للمجاهدين في سبيله يوم القيامة ، من الفلاح والسعادة العظيمة الخالدة المستمرة ، التي لا تبيد ولا تحول ولا تزول في الغرف العالية الرفيعة ، الآمنة الحسنة مناظرها ، الطيبة مساكنها ، التي من سكنها ينعم لا ييأس ، ويحيى لا يموت لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه ، ثم أخبر تعالى بما أعد لأعدائه الكفار من العذاب والنكال يوم القيامة فقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي لو أن أحدهم جاء يوم القيامة بملء الأرض ذهباً وبمثله ليفتدي بذلك من عذاب الله الذي قد أحاط به ، وتيقن وصوله إليه ما تقبل ذلك منه بل لا مندوحة عنه ولا محيص ومناص ولهذا قال : { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي موجع ، { يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ ٱلنَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } ، كما قال تعالى : { كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا } [ الحج : 22 ] الآية . فلا يزالون يريدون الخروج مما هم فيه من شدته وأليم مسه ولا سبيل لهم إلى ذلك ، كلما رفعهم اللهب فصاروا في أعلى جهنم ضربتهم الزبانية بالمقامع الحديد فيردوهم إلى أسفلها { وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } أي دائم مستمر لا خروج لهم منها ، ولا محيد لهم عنها ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يؤتى بالرجل من أهل النار ، فيقال له يا ابن آدم كيف وجدت مضجعك ؟ فيقول شر مضجع ، فيقال هل تفتدي بقراب الأرض ذهباً ؟ قال فيقول : نعم يا رب ، فيقول الله تعالى : كذبت قد سألتك أقل من ذلك فلم تفعل فيؤمر به إلى النار " وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يخرج من النار قوم فيدخلون الجنة " قال : فقلت لجابر بن عبد الله يقول الله : { يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ ٱلنَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا } قال : أتل أول الآية { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ } الآية ، ألا أنهم الذين كفروا . وعن طلق بن حبيب قال : كنت من أشد الناس تكذيباً بالشفاعة ، حتى لقيت جابر بن عبد الله ، فقرأت عليه كل آية أقدر عليها يذكر الله فيها خلود أهل النار فقال : يا طلق أتراك أقرأ لكتاب الله وأعلم بسنّة رسول الله مني ؟ إن الذين قرأت هم أهلها هم المشركون ، ولكن هؤلاء قوم أصابوا ذنوباً فعذبوا ثم أخرجوا منها ثم أهوى بيديه إلى أذنيه ، فقال : صمَّتا إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يخرجون من النار بعدما دخلوا " ونحن نقرأ كما قرأت . رواه ابن مردويه .