Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 45-45)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهذا أيضاً مما وبخت به اليهود وقرعوا عليه ، فإن عندهم في نص التوراة أن النفس بالنفس ، وهم يخالفون حكم ذلك عمداً وعناداً ، ويقيدون النضري من القرظي ، ولا يقيدون القرظي من النضري ، بل يعدلون إلى الدية ، كما خالفوا حكم التوراة المنصوص عندهم في رجم الزاني المحصن ، وعدلوا إلى ما اصطلحوا عليه من الجلد والتحميم والإشهار ، ولهذا قال هناك : { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ } [ المائدة : 44 ] لأنهم جحدوا حكم الله قصداً منهم وعناداً وعمداً ، وقال هٰهنا { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } لأنهم لم ينصفوا المظلوم من الظالم في الأمر الذي أمر الله بالعدل والتسوية بين الجميع فيه ، فخالفوا وظلموا وتعدوا بعضهم على بعض . وقد استدل كثير ممن ذهب من الأصوليين والفقهاء إلى أن شرع من قبلنا شرع لنا ، إذا حكي مقرراً ولم ينسخ كما هو المشهور عن الجمهور ، والحكم عندنا على وفقها في الجنايات عند جميع الأئمة . وقال الحسن البصري : هي عليهم وعلى الناس عامة ، وقد احتج الأئمة كلهم على أن الرجل يقتل بالمرأة بعموم هذه الآية الكريمة ، وكذا ورد في الحديث الذي رواه النسائي وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب في كتاب عمرو بن حزم : " أن الرجل يقتل بالمرأة " ، وفي الحديث الآخر : " المسلمون تتكافأ دماؤهم " ، وهذا قول جمهور العلماء ، وعن أمير المؤمنين ( علي بن أبي طالب ) أن الرجل إذا قتل المرأة لا يقتل بها إلاّ أن يدفع وليها إلى أوليائه نصف الدية ، لأن ديتها على النصف من دية الرجل ، وإليه ذهب أحمد في رواية ، واحتج أبو حنيفة رحمه الله تعالى بعموم هذه الآية على أنه يقتل المسلم بالكافر الذمي ، وعلى قتل الحر بالعبد ، وقد خالفه الجمهور فيهما . ففي الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يقتل مسلم بكافر " ، وأما العبد ففيه عن السلف آثار متعددة ، أنهم لم يكونوا يفيدون العبد من الحر ، ولا يقتلون حراً بعبد ، وجاء في ذلك أحاديث لا تصح ، وحكى الشافعي الإجماع على خلاف قول الحنفية في ذلك ، ولكن لا يلزم من ذلك بطلان قولهم إلاّ بدليل مخصص للآية الكريمة . ويؤيد الاحتجاج بهذه الآية الكريمة الحديث الثابت عن أنس بن مالك ، " أن الربيع عمة أنس كسرت ثنية جارية ، فطلبوا إلى القوم العفو ، فأبوا فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " القصاص " ، فقال أخوها أنس بن النضر : يا رسول الله تكسر ثنية فلانة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أنس كتاب الله القصاص " قال ، فقال : لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنية فلانة ، قال : فرضي القوم ، فعفوا ، وتركوا القصاص . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره " أخرجاه في الصحيحين . وروى أبو داود عن عمران بن حصين : أن غلاماً لأناس فقراء قطع أذن غلام لأناس أغنياء ، فأتى أهله النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله إنا أناس فقراء فلم يجعل عليه شيئاً وهو حديث مشكل ، اللهم إلاّ أن يقال : إن الجاني كان قبل البلوغ فلا قصاص عليه ، ولعله تحمل أرش ما نقص من غلام الأغنياء عن الفقراء أو استعفاهم عنه . وقوله تعالى : { وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ } قال ابن عباس : تقتل النفس بالنفس ، وتفقأ العين بالعين ، ويقطع الأنف بالأنف ، وتنزع السن بالسن ، وتقتص الجراح بالجراح ، فهذا يستوي فيه أحرار المسلمين فيما بينهم رجالهم ونساؤهم إذا كان عمداً في النفس وما دون النفس ، ويستوي فيه العبيد رجالهم ونساؤهم فيما بينهم إذا كان عمداً في النفس وما دون النفس ، رواه ابن جرير . ( قاعدة مهمة ) الجراح تارة تكون في مفصل ، فيجب فيه القصاص بالإجماع كقطع اليد والرجل والكف والقدم ونحو ذلك ؛ وأما إذا لم تكن الجراح في مفصل بل في عظم ، فقال مالك رحمه الله : فيه القصاص إلاّ في الفخذ وشبهها لأنه مخوف خطر . وقال أبو حنيفة وصاحباه : لا يجب القصاص في شيء من العظام إلاّ في السن . وقال الشافعي : لا يجب القصاص في شيء من العظام مطلقاً . وهو مروي عن عمر بن الخطاب وابن عباس . وهو المشهور من مذهب أحمد . وقد احتج أبو حنيفة رحمه الله بحديث ( الربيع بنت النضر ) على مذهبه أنه لا قصاص في عظم إلاّ في السن . وحديث الربيع لا حجة فيه لأنه ورد بلفظ كسرت ثنية جارية ، وجائز أن تكون سقطت من غير كسر فيجب القصاص والحالة هذه بالإجماع ، وتمموا الدلالة بما رواه ابن ماجه عن ( جارية بن ظفر الحنفي ) أن رجلاً ضرب رجلاً على ساعده بالسيف من غير المفصل ، فقطعها ، فاستعدى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأمر له بالدية ، فقال يا رسول الله أريد القصاص فقال : خذ الدية بارك الله لك فيها . ولم يقض بالقصاص ، ثم قالوا : لا يجوز أن يقتص من الجراحة حتى تندمل جراحة المجنى عليه ، فإن اقتص منه قبل الاندمال ثم زاد جرحه فلا شيء له . والدليل على ذلك ما رواه الإمام أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : " أن رجلاً طعن رجلاً بقرن في ركبته فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أقدني ، فقال : " حتى تبرأ " ، ثم جاء إليه ، فقال : أقدني فأقاده ، فقال : يا رسول الله عرجت ، فقال : " قد نهيتك فعصيتني فأبعدك الله وبطل عرجك " ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتص من جرح حتى يبرأ صاحبه " ، تفرد به أحمد . ( مسألة ) : فلو اقتص المجنى عليه من الجاني فمات من القصاص فلا شيء عليه عند مالك والشافعي وأحمد بن حنبل ، وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين وغيرهم . وقال أبو حنيفة : تجب الدية في مال المقتص . وقال عطاء : تجب الدية على عاقلة المقتص له . وقال ابن مسعود والنخعي : يسقط عن المقتص له قدر تلك الجراحة ، ويجب الباقي في ماله . وقوله تعالى : { فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ } . قال ابن عباس : أي فمن عفا عنه وتصدق عليه فهو كفارة للمطلوب وأجر للطالب . وقال سفيان الثوري : فمن تصدق به فهو كفارة للجارح ، وأجر المجروح على الله عزَّ وجلَّ . ( والوجه الثاني ) : قال ابن أبي حاتم عن جابر بن عبد الله في قول الله عزَّ وجلَّ : { فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ } قال : للمجروح . وقال ابن مسعود : يهدم عنه من ذنوبه بقدر ما تصدق به . وروى الإمام أحمد عن أبي السفر قال : كسر رجل من قريش سن رجل من الأنصار فاستعدى عليه معاوية فقال معاوية : إنا سنرضيه فألح الأنصاري ، فقال معاوية : شأنك بصاحبك ، وأبو الدرداء جالس ، فقال أبو الدرداء : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من مسلم يصاب بشيء من جسده فيتصدق به إلاّ رفعه الله به درجة وحط به عنه خطيئة ، فقال الأنصاري : فإني قد عفوت " ، وهكذا رواه الترمذي . وعن عبادة بن الصامت قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من رجل يجرح من جسده جراحة فيتصدق بها إلاّ كفر الله عنه مثل ما تصدق به " ، رواه النسائي . وقوله : { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } ، قد تقدم عن طاووس وعطاء أنهما قالا : كفر دون كفر ، وظلم دون ظلم ، وفسق دون فسق .