Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 4-4)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ذكر تعالى ما حرمه في الآية المتقدمة من الخبائث الضارة لمتناولها ، إما في بدنه أو في دينه أو فيهما ، واستثنى ما استثناه في حالة الضرورة كما قال تعالى : { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا ٱضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ } [ الأنعام : 119 ] قال بعدها : { يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ } كما في سورة الأعراف في صفة محمد صلى الله عليه وسلم أنه يحل لهم الطيبات ، ويحرم عليهم الخبائث . قال ابن أبي حاتم عن عدي بن حاتم وزيد بن مهلهل الطائيين سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا : يا رسول الله قد حرم الله الميتة فماذا يحل لنا منها ؟ فنزلت : { يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ } قال سعيد : يعني الذبائح الحلال الطيبة لهم . وقال مقاتل : الطيبات ما أحل لهم من كل شيء أن يصيبوه وهو الحلال من الرزق . وقوله تعالى : { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ } أي أحل لكم الذبائح التي ذكر اسم الله عليها والطيبات من الرزق وأحل لكم ما صدتموه بالجوارح وهي : ( الكلاب والفهود والصقور وأشباهها ) ، كما هو مذهب الجمهور من الصحابة والتابعين والأئمة ، وممن قال ذلك ابن عباس في قوله : { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ } ، وهن الكلاب المعلمة والبازي وكل طير يعلم للصيد ، والجوارح يعني الكلاب الضواري والفهود والصقور وأشباهها . رواه ابن أبي حاتم ، وروي عن الحسن أنه قال : البازي والصقر من الجوارح ، ثم روي عن مجاهد أنه كره صيد الطير كله ، وقرأ قوله : { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ } ، ثم قال : أخبرنا ابن جريج عن نافع عن ابن عمر قال : أما ما صاد من الطير البازات وغيرها من الطير فما أدركت فهو لك وإلاّ فلا تطعمه . قلت : والمحكي عن الجمهور أن الصيد بالطيور كالصيد بالكلاب لأنها تكلب الصيد بمخالبها كما تكلبه الكلاب فلا فرق ، وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم ، واختاره ابن جرير . واحتج في ذلك بما رواه عن عدي بن حاتم قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد البازي فقال : " ما أمسك عليك فكل " ، وسميت هذه الحيوانات التي يصطاد بهن جوارح : من الجرح وهو الكسب ، كما تقول العرب : فلان جرح أهله خيراً أي كسبهم خيراً ، ويقولون : فلان لا جارح له أي لا كاسب له ، وقال الله تعالى : { وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ } [ الأنعام : 60 ] أي ما كسبتم من خير وشر ، وقد ذكر في سبب نزول هذه الآية الشريفة الحديث الذي رواه ابن أبي حاتم عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب ، فقلت ، فجاء الناس فقالوا : يا رسول الله ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها ؟ فسكت ؛ فأنزل الله : { يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ } الآية ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا أرسل الرجل كلبه وسمى فأمسك عليه فليأكل ما لم يأكل " . وقوله تعالى : { مُكَلِّبِينَ } يحتمل أن يكون حالاً من الضمير في { عَلَّمْتُمْ } فيكون حالاً من الفاعل ، ويحتمل أين يكون حالاً من المفعول وهو { ٱلْجَوَارِحِ } أي وما علمتم من الجوارح في حال كونهن مكلبات للصيد ، وذلك أن تقتنصه بمخالبها أو أظفارها ، فيستدل بذلك والحالة هذه على أن الجارح إذا قتل الصيد بصدمته وبمخلابه وظفره أنه لا يحل له كما هو أحد قولي الشافعي وطائفة من العلماء ، ولهذا قال : { تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُ } وهو أنه إذا أرسله استرسل ، وإذا أشلاه استشلى ، وإذا أخذ الصيد أمسكه على صاحبه حتى يجيء إليه ولا يمسكه لنفسه ، ولهذا قال تعالى : { فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } فمتى كان الجارح معلماً وأمسك على صاحبه ، وكان قد ذكر اسم الله عليه وقت إرساله ، حل الصيد وإن قتله بالإجماع . وقد وردت السنّة بمثل ما دلت عليه هذه الآية الكريمة ، كما ثبت في الصحيحين عن عدي بن حاتم قال : " قلت يا رسول الله إني أرسل الكلاب المعلمة وأذكر اسم الله ، فقال : " إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك " . قلت : وإن قتلن ؟ قال : " وإن قتلن ، ما لم يشركها كلب ليس منها ، فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره " . قلت له : فإني أرمي بالمعراض الصيد فأصيب ؟ فقال : " إذا رميت بالمعراض فخزق فكله ، وإن أصابه بعرض فإنه وقيذ فلا تأكله " ، وفي لفظ لهما " إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله فإن أمسك عليك فأدركته حياً فاذبحه ، وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله فإن أخذ الكلب ذكاته " ، وفي رواية لهما : " فإن أكل فلا تأكل فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسه " ، فهذا دليل للجمهور وهو الصحيح من مذهب الشافعي ، وهو أنه إذا أكل الكلب من الصيد يحرم مطلقاً ولم يستفصلوا ، كما ورد بذلك الحديث ، وحكي عن طائفة من السلف أنهم قالوا لا يحرم مطلقاً . وقوله تعالى : { فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } أي عند إرساله ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم : " إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك " ، وفي حديث أبي ثعلبة المخرج في الصحيحين أيضاً : " إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله ، وإذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله " ، ولهذا اشترط من اشترط من الأئمة ، كالإمام أحمد رحمه الله في المشهور عنه التسمية عند إرسال الكلب والرمي بالسهم لهذه الآية ، وهذا الحديث ، وهذا القول هو المشهور عن الجمهور ، أن المراد بهذه الآية الأمر بالتسمية عند الإرسال . كما قال السدي وغيره . وقال ابن عباس في قوله : { وَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } يقول : إذا أرسلت جارحك فقل باسم الله وإن نسيت فلا حرج ، وقال بعض الناس : المراد بهذه الآية الأمر بالتسمية عند الأكل ، كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علَّم ربيبه عمر بن أبي سلمة فقال : " سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك " وفي صحيح البخاري عن عائشة أنهم قالوا : يا رسول الله إن قوماً يأتوننا حديث عهدهم بكفر بلحمان لا ندري أذكر اسم الله عليها أم لا ؟ فقال : " سموا الله أنتم وكلوا " ( وحديث آخر ) : وقال الإمام أحمد عن عائشة : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل الطعام في ستة نفر من أصحابه ، فجاء أعرابي فأكله بلقمتين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أما إنه لو كان ذكر اسم الله لكفاكم ، فإذا أكل أحدكم طعاماً فليذكر اسم الله ، فإن نسي أن يذكر اسم الله في أوله فليقل باسم الله أوله وآخره " ( وحديث آخر ) : قال الإمام أحمد عن حذيفة ، قال : " كنا إذا حضرنا مع النبي على طعام لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله ، فيضع يده ، وإنا حضرنا معه طعاماً فجاءت جارية كأنما تدفع ، فذهبت تضع يدها في الطعام ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها ، وجاء أعرابي كأنما يدفع فذهب يضع يده في الطعام فأخذ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بيده ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الشيطان يستحل الطعام إذا لم يذكر اسم الله عليه ، وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها فأخذت بيدها ، وجاء بهذا الأعرابي ليستحل به فأخذت بيده ، والذي نفسي بيده إن يده في يدي مع يديهما " ، يعني الشيطان وكذا رواه مسلم وأبو داود والنسائي . ( حديث آخر ) : روى مسلم وأهل السنن إلاّ الترمذي عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا دخل الرجل بيته فذكر اسم الله عند دخوله وعند طعامه ، قال الشيطان : لا مبيت لكم ولا عشاء ، وإذا دخل ولم يذكر اسم الله عند دخوله قال الشيطان : أدركتم المبيت ، فإذا لم يذكر اسم الله عند طعامه قال : أدركتم المبيت والعشاء " ، لفظ أبي داود . ( حديث آخر ) : قال الإمام أحمد عن وحشي بن حرب عن أبيه عن جده أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم : " إنا نأكل وما نشبع ، قال : " فلعلكم تأكلون متفرقين ، اجتمعوا على طعامكم ، واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه " ، ورواه أبو داود وابن ماجه .