Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 54-56)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى مخبراً عن قدرته العظيمة : إنه من تولى عن نصرة دينه وإقامة شريعته ، فإن الله سيستبدل به من هو خير لها منه ، وأشد منعة وأقوم سبيلاً كما قال تعالى : { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم } [ محمد : 38 ] ، وقال تعالى : { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا ٱلنَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ } [ النساء : 133 ] ، وقال تعالى : { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ } [ إبراهيم : 19 - 20 ] أي بممتنع ولا صعب . وقال تعالى هٰهنا : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ } أي يرجع عن الحق إلى الباطل . قال محمد بن كعب : نزلت في الولاة من قريش ، وقال الحسن البصري : نزلت في أهل الردة أيام أبي بكر . { فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } قال الحسن : هو والله أبو بكر وأصحابه ، وقال ابن أبي حاتم عن أبي موسى الأشعري قال : لما نزلت { فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هم قوم هذا " ، ورواه ابن جرير بنحوه . وقوله تعالى : { أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } هذه صفات المؤمنين الكُمَّل ، أن يكون أحدكم متواضعاً لأخيه ووليه متعززاً على خصمه وعدوه كما قال تعالى : { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } [ الفتح : 29 ] ، وفي صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه الضحوك القتال ، فهو ضحوك لأوليائه ، قتال لأعدائه . وقوله عزَّ وجل : { يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاۤئِمٍ } أي لا يردهم عما هم فيه من طاعة الله ، وإقامة الحدود ، وقتال أعدائه ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لا يردهم عن ذلك رادّ ولا يصدهم عنه صاد . قال الإمام أحمد عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال : " أمرني خليلي صلى الله عليه وسلم بسبع : أمرني بحب المساكين والدنو منهم ، وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني ، ولا أنظر إلى من هو فوقي ، وأمرني أن أصل الرحم وإن أدبرت ، وأمرني أن لا أسأل أحداً شيئاً ، وأمرني أن أقول الحق وإن كان مراً ، وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم ، وأمرني أن أكثر من قول : لا حول ولا قوة إلاّ بالله ، فإنهن من كنز تحت العرش " وقال الإمام أحمد أيضاً عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده ، فإنه لا يقرّب من أجل ، ولا يباعد من رزق أن يقول بحق أو أن يذكر بعظيم " وقال أحمد عن أبي سعيد الخدري قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يحقرن أحدكم نفسه أن يرى أمراً لله فيه مقال فلا يقول فيه ، فيقال له يوم القيامة : ما منعك أن تكون قلت في كذا وكذا ؟ فيقول : مخافة الناس : فيقول : إياي أحق أن تخاف " ، وثبت في الصحيح : " " ما ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه " قالوا : وكيف يذل نفسه يا رسول الله ؟ قال : " يتحمل من البلاء ما لا يطيق " ، { ذٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } أي من اتصف بهذه الصفات فإنما هو من فضل الله عليه وتوفيقه له ، { وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } أي واسع الفضل عليم بمن يستحق ذلك ممن يحرمه إياه . وقوله تعالى : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } أي ليس اليهود بأوليائكم ، بل ولايتكم راجعة إلى الله ورسوله والمؤمنين ، وقوله : { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } أي المؤمنون المتصفون بهذه الصفات من إقام الصلاة التي هي أكبر أركان الإسلام ، وهي له وحده لا شريك له ، وإيتاء الزكاة التي هي حق المخلوقين ومساعدة للمحتاجين من الضعفاء والمساكين ، وأما قوله : { وَهُمْ رَاكِعُونَ } فقد توهم بعض الناس أن هذه الجملة في موضع الحال من قوله : { وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } أي في حال ركوعهم ، ولو كان هذا كذلك لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره لأنه ممدوح ، وليس الأمر كذلك عند أحد من العلماء . قال السدي : نزلت هذه الآية في جميع المؤمنين ولكن عليّ بن أبي طالب مر به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه ، وقد تقدم في الأحاديث التي أوردناها أن هذه الآيات نزلت في عبادة بن الصامت رضي الله عنه حين تبرأ من حلف اليهود ، ورضي بولاية الله ورسوله والمؤمنين ، ولهذا قال تعالى بعد هذا كله : { وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْغَالِبُونَ } كما قال تعالى : { كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ * لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوۤاْ آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ } [ المجادلة : 21 - 22 ] الآية . فكل من رضي بولاية الله ورسوله والمؤمنين فهو مفلح في الدنيا والآخرة ومنصور في الدنيا والآخرة ، ولهذا قال تعالى في هذه الآية الكريمة : { وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْغَالِبُونَ } .