Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 67-67)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى مخاطباً عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم باسم الرسالة ، وآمراً بإبلاغ جميع ما أرسله الله به ، وقد امتثل عليه أفضل الصلاة والسلام ذلك وقام به أتم القيام ، قال البخاري عند تفسير هذه الآية عن عائشة رضي الله عنها قالت : من حدثك أن محمداً كتم شيئاً مما أنزل الله عليه فقد كذب ، وهو يقول : { يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } الآية ، وفي الصحيحين عنها أيضاً أنها قالت : لو كان محمد صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً من القرآن لكتم هذه الآية : { وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ } [ الأحزاب : 37 ] . وقال ابن أبي حاتم عن هارون بن عنترة عن أبيه قال : كنت عند ابن عباس فجاء رجل فقال له : إن ناساً يأتونا فيخبرونا أن عندكم شيئاً لم يبده رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس ، فقال ابن عباس : ألم تعلم أن الله تعالى قال : { يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } ، والله ما ورَّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء في بيضاء . وهذا إسناد جيد . وفي صحيح البخاري عن وهب بن عبد الله السوائي قال : قلت لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : هل عندكم شيء من الوحي مما ليس في القرآن ؟ فقال : لا ، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلاّ فهماً يعطيه الله رجلاً في القرآن ، وما في هذه الصحيفة . قلت : وما في هذه الصحيفة ؟ قال : العقل ، وفكاك الأسير ، وأن لا يقتل مسلم بكافر . وقال البخاري ، قال الزهري : من الله الرسالة ، وعلى الرسول البلاغ ، وعلينا التسليم ، وقد شهدت له أمته بإبلاغ الرسالة وأداء الأمانة ، واستنطقهم بذلك في أعظم المحافل في خطبته يوم حجة الوداع ، وقد كان هناك من أصحابه نحو من أربعين ألفاً ، كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يومئذٍ : " " أيها الناس إنكم مسؤولون عني ، فما أنتم قائلون ؟ " قالوا : نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت ، فجعل يرفع إصبعه إلى السماء وينكسها إليهم ، ويقول : " اللهم هل بلغت " ! ؟ " . وقوله تعالى : { وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } يعني وإن لم تؤد إلى الناس ما أرسلتك به فما بلغت رسالته قال ابن عباس : { وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } : يعني إن كتمت آية مما أنزل إليك من ربك لم تبلغ رسالته ، وعن مجاهد قال : لما نزلت : { يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } قال : يا رب كيف أصنع وأنا وحدي يجتمعون علي ؟ فنزلت : { وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } وقوله تعالى : { وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } أي بلغ أنت رسالتي وأنا حافظك وناصرك ومؤيدك على أعدائك ومظفرك بهم ، فلا تخف ولا تحزن ، فلن يصل أحد منهم إليك بسوء يؤذيك . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل نزول هذه الآية يحرس . كما قال الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها كانت تحدث " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سهر ذات ليلة وهي إلى جنبه قالت ، فقلت : ما شأنك يا رسول الله ؟ قال : " ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني الليلة " ، قالت : فبينا أنا على ذلك إذ سمعت صوت السلاح ، فقال : " من هذا " ؟ فقال : أنا سعد بن مالك ، فقال : " ما جاء بك " ؟ قال : جئت لأحرسك يا رسول الله ، قالت : فسمعت غطيط رسول الله صلى الله عليه وسلم في نومه " ، أخرجاه في الصحيحين . وفي لفظ : سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة مقدمة المدينة ، يعني على أثر هجرته بعد دخوله بعائشة رضي الله عنها وكان ذلك في سنة ثنتين منها ، وعنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت هذه الآية : { وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } قالت فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم رأسه من القبة ، وقال : " يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمنا الله عزَّ وجلَّ " . ومن عصمة الله لرسوله حفظه له من أهل مكة وصناديدها وحسادها ومعانديها ومترفيها ، مع شدة العداوة والبغضة ونصب المحاربة له ليلاً ونهاراً ، بما يخلقه الله من الأسباب العظيمة بقدرته وحكمته العظيمة ، فصانه في ابتداء الرسالة بعمه أبي طالب إذ كان رئيساً مطاعاً كبيراً في قريش ، وخلق الله في قلبه محبة طبيعية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا شرعية ، ولو كان أسلم لاجترأ عليه كفارها وكبارها ، ولكن لما كان بينه وبينهم قدر مشترك في الكفر هابوه واحترموه ، فلما مات عمه ( أبو طالب ) نال منه المشركون أذى يسيراً ، ثم قيض الله له الأنصار فبايعوه على الإسلام ، وعلى أن يتحول إلى دارهم وهي المدينة ، فلما صار إليها منعوه من الأحمر والأسود ، وكلما همَّ أحد من المشركين وأهل الكتاب بسوء كاده الله ورد كيده عليه ، كما كاده اليهود بالسحر ، فحماه الله منهم ، وأنزل عليه سورتي المعوذتين دواء لذلك الداء ، ولما سمّه اليهود في ذراع تلك الشاة بخيبر أعلمه الله به وحماه منه ، ولهذا أشباه كثيرة جداً يطول ذكرها . وقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } أي بلغ أنت والله هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء ، كما قال تعالى : { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } [ البقرة : 272 ] ، وقال : { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ } [ الرعد : 40 ] .