Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 64-66)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى عن اليهود عليهم لعائن الله المتتابعة بأنهم وصفوه بأنه بخيل كما وصفوه بأنه فقير ، وهم أغنياء وعبروا عن البخل بأن قالوا : { يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ } ، قال ابن عباس : { مَغْلُولَةٌ } : أي بخيلة . لا يعنون بذلك أن يد الله موثقة ، ولكن يقولون : بخيل ، يعني أمسك ما عنده بخلاً ، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً . وقد قال عكرمة إنها نزلت في ( فنحاص اليهودي ) عليه لعنة الله ، وقد تقدم أنه الذي قال : { إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ } [ آل عمران : 181 ] ، فضربه أبو بكر الصديق رضي الله عنه . وقال محمد بن إسحاق عن ابن عباس قال ، قال رجل من اليهود يقال له شاس بن قيس : إن ربك بخيل لا ينفق ، فأنزل الله : { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ } وقد رد الله عزَّ وجلَّ عليهم ما قالوه وقابلهم فيما اختلقوه وافتروه وائتفكوه فقال : { غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ } ، وهكذا وقع لهم ، فإن عندهم من البخل والحسد والجبن والذلة أمر عظيم ، كما قال تعالى : { أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ آتَٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } [ النساء : 54 ] ، وقال تعالى : { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ } [ آل عمران : 112 ] الآية ، ثم قال تعالى : { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ } أي بل هو الواسع الجزيل العطاء الذي ما من شيء إلاّ عنده خزائنه الذي خلق لنا كل شيء مما نحتاج إليه ، كما قال : { وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } [ إبراهيم : 34 ] والآيات في هذا كثيرة . وقد قال أبو هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار ، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض ، فإنه لم يغض ما في يمينه - قال - وعرشه على الماء وفي يده الأخرى الفيض - أو القبض - يرفع ويخفض ، وقال : يقول الله تعالى : " أنفق أنفق عليك " أخرجاه في الصحيحين . وقوله تعالى : { وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً } أي يكون ما آتاك الله يا محمد من النعمة نقمة في حق أعدائك من اليهود وأشباههم ، فكما يزداد به المؤمنون تصديقاً وعملاً صالحاً وعلماً نافعاً ، يزداد به الكافرون الحاسدون لك ولأمتك طغياناً وهو المبالغة والمجاوزة للحد في الأشياء { وَكُفْراً } أي تكذيباً كما قال تعالى : { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِيۤ آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَـٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } [ فصلت : 44 ] ، وقال تعالى : { وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً } [ الإسراء : 82 ] ، وقوله تعالى : { وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } يعني أنه لا تجتمع قلوبهم ، بل العداوة واقعة بين فرقهم بعضهم في بعض دائماً ، لأنهم لا يجتمعون على حق وقد خالفوك وكذبوك . وقوله تعالى : { كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ } أي كلما عقدوا أسباباً يكيدونك بها ، وكلما أبرموا أموراً يحاربونك بها أبطلها الله ورد كيدهم عليهم وحاق مكرهم السيء بهم ، { وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ } أي من سجيتهم أنهم دائماً يسعون في الإفساد في الأرض فساداً ، والله لا يحب من هذه صفته ، ثم قال جلَّ وعلا : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ آمَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ } أي لو أنهم آمنوا بالله ورسوله ، واتقوا ما كانوا يتعاطونه من المآثم والمحارم { لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } ، أي لأزلنا عنهم المحذور وأنلناهم المقصود ، { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ } قال ابن عباس : هو القرآن ، { لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم } ، أي لو أنهم عملوا بما في الكتب التي بأديهم عن الأنبياء ، على ما هي عليه من غير تحريف ولا تبديل ولا تغيير ، لقادهم ذلك إلى اتباع الحق والعمل بمقتضى ما بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم ، فإن كتبهم ناطقة بتصديقه والأمر باتباعه حتماً لا محالة . وقوله تعالى : { لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم } يعني بذلك كثرة الرزق النازل عليهم من السماء ، والنابت لهم من الأرض ، وقال ابن عباس : { لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ } يعني لأرسل السماء عليهم مدراراً ، { وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم } يعني يخرج من الأرض بركاتها ، كما قال تعالى : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ آمَنُواْ وَٱتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } [ الأعراف : 96 ] الآية ، وقال تعالى : { ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي ٱلنَّاسِ } [ الروم : 41 ] الآية . وقال بعضهم : معناه { لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم } يعني من غير كد ولا تعب ولا شقاء ولا عناء . وقد ذكر ابن أبي حاتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " " يوشك أن يرفع العلم " ، فقال زياد بن لبيد يا رسول الله وكيف يرفع العلم وقد قرأنا القرآن وعلمناه أبناءنا فقال : " ثكلتك أمك يا ابن لبيد إن كنت لأراك من أفقه أهل المدينة ، أو ليست التوراة والإنجيل بأيدي اليهود والنصارى فما أغنى عنهم حين تركوا أمر الله " ، ثم قرأ : { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ } ، وقوله تعالى : { مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ } كقوله : { وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } [ الأعراف : 159 ] فجعل أعلى مقاماتهم الاقتصاد وهو أوسط مقامات هذه الأمة ، وفوق ذلك رتبة السابقين ، كما في قوله عزَّ وجلَّ : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ بِإِذُنِ ٱللَّهِ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا } [ فاطر : 32 - 33 ] الآية ، والصحيح أن الأقسام الثلاثة من هذه الأمة كلهم يدخلون الجنة .