Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 96-99)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال ابن عباس وسعيد بن جبير في قوله تعالى : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ } يعني ما يصطاد منه طرياً { وَطَعَامُهُ } ما يتزود منه مليحاً يابساً ، وقال ابن عباس في الرواية المشهورة عنه : صيده ما أخذ منه حياً { وَطَعَامُهُ } ما لفظه ميتاً . قال سفيان بن عيينة عن أبي بكر الصديق أنه قال : { طَعَامُهُ } كل ما فيه . وقال ابن جرير : خطب أبو بكر الناس فقال : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ } وطعامه ما قذف . وقال عكرمة عن ابن عباس قال : طعامه ما لفظ من ميتة . وقال ابن جرير إن عبد الرحمن بن أبي هريرة سأل ابن عمر فقال : إن البحر قد قذف حيتاناً كثيرة ميتة أفنأكلها كلها ؟ فقال : لا تأكلوها ، فلما رجع عبد الله إلى أهله أخذ المصحف فقرأ سورة المائدة ، فأتى هذه الآية : { وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } فقال : اذهب ، فقل له فليأكله فإنه طعامه . وهكذا اختار ابن جرير أن المراد بطعامه ما مات فيه . وقوله : { مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } أي منفعة وقوتاً لكم أيها المخاطبون ، { وَلِلسَّيَّارَةِ } ، وهم جمع سيار ، قال عكرمة : لمن كان بحضرة البحر والسفر . وقال غيره . والطري منه لمن يصطاده من حاضرة البحر ، وطعامه ما مات فيه أو اصطيد منه وملح ، وقد يكون زاداً للمسافرين والنائين عن البحر . وقد استدل الجمهور على حل ميتته بهذه الآية الكريمة ، وبما رواه الإمام مالك عن جابر بن عبد الله قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً قِبَل الساحل ، فأمّر عليهم أبا عبيدة بن الجراح ، وهم ثلثمائة ، وأنا فيهم ، قال : فخرجنا حتى إذا كنا ببعض الطريق فني الزاد ، فأمر أبو عبيدة بأزواد ذلك الجيش ، فجمع ذلك كله ، فكان مزودي تمر ، قال : فكان يقوتنا كل يوم قليلاً قليلاً حتى فني ، فلم يكن يصيبنا إلاّ تمرة تمرة ، فقال : فقد وجدنا فقدها حين فنيت ، قال : ثم انتهينا إلى البحر ، فإذا حوت مثل الظَّرِب ، فأكل منه ذلك الجيش ثماني عشرة ليلة ، ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبنا ، ثم أمر براحلة ، فرحلت ومرت تحتهما فلم تصبهما . وهذا الحديث مخرج في الصحيحين ، وله طرق عن جابر . وفي صحيح مسلم عن جابر : فإذا على ساحل البحر مثل الكثيب الضخم ، فأتيناه فإذا بدابة يقال لها العنبر ، قال : قال أبو عبيدة : ميتة ، ثم قال : لا ، نحن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اضطررتم فكلوا ، قال : فأقمنا عليه شهراً ونحن ثلثمائة حتى سمنا ، ولقد رأيتنا نغترف من وقب عينيه بالقلال الدهن ، ويقتطع منه القدر كالثور ، قال : ولقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلاً ، فأقعدهم في وقب عينيه ، وأخذ ضلعاً من أضلاعه فأقامها ، ثم رحّل أعظم بعير معنا فمر من تحته ، وتزودنا من لحمه وشائق ، فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له ، فقال : " هو رزق أخرجه الله لكم ، هل معكم من لحمه شيء فتطعمونا ؟ " قال : فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكله . وقال مالك سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله إنا نركب البحر ، ونحمل معنا القليل من الماء ، فإن توضأنا منه عطشنا ، أفنتوضأ بماء البحر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " . وقد احتج بهذه الآية الكريمة من ذهب من الفقهاء إلى أنه تؤكل دواب البحر ، ولم يستثن من ذلك شيئاً ، وقد تقدم عن الصديق أنه قال : طعامه كل ما فيه ، وقد استثنى بعضهم الضفادع وأباح ما سواها ، لما رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن أبي عبد الرحمن بن عثمان التيمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الضفدع ، وللنسائي عن عبد الله بن عمرو قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع ، وقال : نقيقها تسبيح . وقال آخرون : يؤكل من صيد البحر السمك . ولا يؤكل الضفدع ، واختلفوا فيما سواهما فقيل : يؤكل سائر ذلك ، وقيل : لا يؤكل ، وقيل : ما أكل شبهه من البر أكل مثله في البحر ، وما لا يؤكل شبهه لا يؤكل . وهذه كلها وجوه في مذهب الشافعي رحمه الله تعالى ، وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى : لا يؤكل ما مات في البحر كما لا يؤكل ما مات في البر ، لعموم قوله تعالى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ } [ المائدة : 3 ] ، وقد ورد حديث بنحو ذلك . فقال ابن مردويه عن جابر قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما صدتموه وهو حي فمات فكلوه وما ألقى البحر ميتاً طافياً فلا تأكلوه " . وقد احتج الجمهور من أصحاب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل بحديث العنبر المتقدم ذكره ، وبحديث : " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " ، وقد تقدم أيضاً . وروى الإمام الشافعي عن ابن عمر قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أحلت لنا ميتتان ودمان ، فأما الميتتان فالحوت والجراد ، وأما الدمان فالكبد والطحال " ، وقوله : { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً } أي في حال إحرامكم يحرم عليكم الاصطياد ، ففيه دلالة على تحريم ذلك ، فإذا اصطاد المحرم الصيد متعمداً أثم وغرم ، أو مخطئاً غرم وحرم عليه أكله لأنه في حقه كالميتة ، وكذا في حق غيره من المحرمين والمحلين عند مالك والشافعي في أحد قوليه . فإن أكله أو شيئاً منه فهل يلزمه جزاء ثان ؟ فيه قولان للعلماء ( أحدهما ) : نعم وإليه ذهب طائفة . ( والثاني ) : لا جزاء عليه في أكله ، نص عليه مالك بن أنس . قال أبو عمر بن عبد البر : وعلى هذا مذاهب فقهاء الأمصار وجمهور العلماء ، وقال أبو حنيفة : عليه قيمة ما أكل . وأما إذا صاد حلال صيداً فأهداه إلى محرم ، فقد ذهب ذاهبون إلى إباحته مطلقاً ، ولم يستفصلوا بين أن يكون قد صاده من أجله أم لا ، وبه قال الكوفيون ، قال ابن جرير عن أبي هريرة : أنه سئل عن لحم صيد صاده حلال أيأكله المحرم ؟ قال : فأفتاهم بأكله ، ثم لقي عمر بن الخطاب فأخبره بما كان من أمره ، فقال : لو أفتيتهم بغير هذا لأوجعت لك رأسك . وقال آخرون : لا يجوز أكل الصيد للمحرم بالكلية ، ومنعوا من ذلك مطلقاً لعموم هذه الآية الكريمة . روي عن ابن عباس : أنه كره أكل الصيد للمحرم ، وقال : هي مبهمة ، يعني قوله : { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً } . وعن ابن عمر أنه كان يكره للمحرم أن يأكل من لحم الصيد على كل حال . وقد روي أن علياً كره أكل لحم الصيد للمحرم على كل حال . وقال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل والجمهور : إن كان الحلال قد قصد المحرم بذلك الصيد لم يجز للمحرم أكله ، لحديث الصعب بن جثامة " أنه أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم حماراً وحشياً ، وهو بالأبواء أو بودّان فرده عليه ، فلما رأى ما في وجهه قال : " إنا لم نرده عليك إلاّ أنا حُرُم " قالوا : فوجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم ظن أن هذا إنما صاده من أجله فرده لذلك ، فأما إذا لم يقصده بالاصطياد ، فإنه يجوز له الأكل منه ، لحديث أبي قتادة " حين صاد حمار وحش وكان حلالاً لم يحرم وكان أصحابه محرمين . فتوقفوا في أكله ، ثم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " هل كان منكم أحد أشار إليها أو أعان في قتلها " ؟ قالوا : لا ، قال : " فكلوا " ، وأكل منها رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، وهذه القصة ثابتة أيضاً في الصحيحين بألفاظ كثيرة .