Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 100-102)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم : { قُل } يا محمد { لاَّ يَسْتَوِي ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ } أي يا أيها الإنسان { كَثْرَةُ ٱلْخَبِيثِ } يعني أن القليل الحلال النافع خير من الكثير الحرام الضار كما جاء في الحديث : " ما قل وكفى خير مما كثر وألهى " وقال أبو القاسم البغوي عن أبي أمامة : إن ثعلبة بن حاطب الأنصاري قال : يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالاً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه " ، { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } أي يا ذوي العقول الصحيحة المستقيمة وتجنبوا الحرام ودعوه واقنعوا بالحلال واكتفوا به { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } أي في الدنيا والآخرة . ثم قال تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } هذا تأديب من الله تعالى لعباده المؤمنين ، ونهي لهم عن أن يسألوا عن أشياء مما لا فائدة لهم في السؤال والتنقيب عنها ، لأنها إن أظهرت لهم تلك الأمور ربما ساءتهم وشق عليهم سماعها ، كما جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يبلغني أحد عن أحد شيئاً ، إني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر " ، وقال البخاري عن أنس بن مالك قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط ، وقال فيها : " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً " قال فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ، لهم حنين ، فقال رجل : من أبي ؟ قال : " فلان " ، فنزلت هذه الآية : { لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ } ، وعن أبي هريرة قال : " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غضبان محمار وجهه ، حتى جلس على المنبر فقام إليه رجل ، فقال : أين أبي ؟ قال : " في النار " ، فقام آخر فقال : من أبي ؟ فقال : " أبوك حذافة " ، فقام عمر بن الخطاب فقال : رضينا بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ، وبالقرآن إماماً ، إنَّا يا رسول الله حديثو عهد بجاهلية وشرك . والله أعلم من آباؤنا . قال : فسكن غضبه . ونزلت هذه الآية : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } الآية " ، إسناد جيد ، وقد ذكر هذه القصة مرسلة غير واحد من السلف ، منهم السدي . قال البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : كان قوم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاء ، فيقول الرجل : من أبي ؟ ويقول الرجل تضل ناقته : أين ناقتي ؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } ، حتى فرغ من الآية كلها . وظاهر الآية النهي عن السؤال عن الأشياء التي إذا علم بها الشخص ساءته ، فالأولى الإعراض عنها وتركها ، وما أحسن الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " لا يبلغني أحد عن أحد شيئاً فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر " ، الحديث . وقوله تعالى : { وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ } أي وإن تسألوا عن هذه الأشياء التي نهيتم عن السؤال عنها حين ينزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين لكم ، وذلك على الله يسير ، ثم قال : { عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا } أي عما كان منكم قبل ذلك { وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } ، وقيل المراد بقوله : { وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ } أي لا تسألوا عن أشياء تستأنفون السؤال عنها فلعله قد ينزل بسبب سؤالكم تشديد أو تضييق ، وقد ورد في الحديث : " أعظم المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته " ، ولكن إذا نزل القرآن بها مجملة فسألتم عن بيانها بينت لكم حينئذٍ لاحتياجكم إليها ، { عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا } أي ما لم يذكره في كتابه ، فهو مما عفا عنه فاسكتوا أنتم عنها كما سكت عنها . وفي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ذروني وما تركتكم ، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم ، واختلافهم على أنبيائهم " ، وفي الحديث الصحيح أيضاً : " إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيّعوها ، وحدّ حدوداً فلا تعتدوها ، وحرم أشياء فلا تنتهكوها ، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها " ، ثم قال تعالى : { قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ } أي قد سأل هذه المسائل المنهي عنها قوم من قبلكم فأجيبوا عنها ثم لم يؤمنوا بها فأصبحوا بها كافرين ، أي بسببها ، أي بينت لهم فلم ينتفعوا بها ، لأنهم لم يسألوا على وجه الاسترشاد بل على وجه الاستهزاء والعناد . وقال العوفي عن ابن عباس في الآية : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذّن في الناس فقال : " يا قوم كتب عليكم الحج " فقام رجل من بني أسد فقال : يا رسول الله أفي كل عام ؟ فأغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً فقال : " والذي نفسي بيده لو قلت : نعم ، لوجبت ، ولو وجبت ما استطعتم ، وإذاً لكفرتم فاتركوني ما تركتكم ، وإذا أمرتكم بشيء فافعلوا ، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه " ، فأنزل الله هذه الآية نهاهم أن يسألوا عن مثل الذي سألت عنه النصارى من المائدة فأصبحوا بها كافرين ، فنهى الله عن ذلك ، وقال : لا تسألوا عن أشياء إن نزل القرآن فيها بتغليظ ساءكم ذلك ، ولكن انتظروا ، فإذا نزل القرآن فإنكم لا تسألون عن شيء إلاّ وجدتم بيانه . ثم قال : { قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ } . روي عن عكرمة رحمه الله : أن المراد بهذا النهي عن سؤال وقوع الآيات ، كما سألت قريش أن يجري لهم أنهاراً وأن يجعل لهم الصفا ذهباً وغير ذلك ، وكما سألت اليهود أن ينزل عليهم كتاباً من السماء ، وقد قال الله تعالى : { وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ } [ الإسراء : 59 ] الآية . وقال تعالى : { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَاتُ عِندَ ٱللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ الأنعام : 109 ] .