Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 52, Ayat: 21-28)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى عن فضله وكرمه وامتنانه ، ولطفه بخلقه وإحسانه ، أن المؤمنين إذا اتبعتهم ذرياتهم في الإيمان ، يلحقهم بآبائهم في المنزلة ، وإن لم يبلغوا عملهم لتقر أعين الآباء بالأبناء ، فيجمع بينهم على أحسن الوجوه بأن يرفع الناقص العمل بكامل العمل ، ولا ينقص ذلك من عمله ومنزلته للتساوي بينه وبين ذاك ، ولهذا قال : { أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ } ، قال ابن عباس : إن الله ليرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه في العمل لتقرَّ بهم عينه ، ثم قرأ { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ } . وروى ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله الله تعالى : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } ، قال : هم ذرية المؤمن يموتون على الإيمان ، فإن كانت منازل آبائهم أرفع من منازلهم ألحقوا بآبائهم ولم ينقصوا من أعمالهم التي عملوها شيئاً ، وروى الحافظ الطبراني عن ابن عباس أظنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته وولده فيقال : إنهم لم يبلغوا درجتك ، فيقول : يا رب قد عملت لي ولهم ، فيؤمر بإلحاقهم به " ، وقرأ ابن عباس { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ } الآية ، هذا فضله تعالى على الأبناء ببركة عمل الآباء ، وأما فضله على الآباء ببركة دعاء الأبناء ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول : يا رب أنى لي هذه ؟ فيقول ؛ باستغفار ولدك لك " وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له " . وقوله تعالى : { كُلُّ ٱمْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ } لما أخبر عن مقام الفضل وهو رفع درجة الذرية إلى منزلة الآباء من غير عمل يقتضي ذلك ، أخبر عن مقام العدل ، وهو أنه لا يؤاخذ أحداً بذنب أحد ، فقال تعالى : { كُلُّ ٱمْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ } أي مرتهن بعمله لا يحمل عليه ذنب غيره من الناس ، سواء كان أباً أو ابناً ، كما قال تعالى : { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلاَّ أَصْحَابَ ٱلْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ ٱلْمُجْرِمِينَ } [ المدثر : 38 - 41 ] ، وقوله : { وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ } أي وألحقناهم بفواكه ولحوم من أنواع شتى مما يستطاب ويشتهى ، وقوله : { يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً } أي يتعاطون فيها كأساً أي من الخمر ، قاله الضحّاك : { لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ } أي لا يتكلمون فيها بكلام لاغ ، أي هذيان ، ولا إثم ، أي فحش كما يتكلم به الشربة من أهل الدنيا . قال ابن عباس : اللغو الباطل ، والتأثيم الكذب ، وقال مجاهد : لا يستبون ولا يؤثمون ؛ وقال قتادة : كان ذلك في الدنيا مع الشيطان ، فنزه الله خمر الآخرة عن قاذورات خمر الدنيا وأذاها ، فنفى عنها صداع الرأس ووجع البطن وإزالة العقل بالكلية ، وأخبر أنها لا تحملهم على الكلام السيء الفارغ عن الفائدة المتضمن هذياناً وفحشاً ، وأخبر بحسن منظرها وطيب طعمها ومخبرها فقال : { بَيْضَآءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ * لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ } [ الصافات : 46 - 47 ] وقال : { لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ } [ الواقعة : 19 ] . وقال هٰهنا : { يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ } . وقوله تعالى : { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ } إخبار عن خدمهم وحشمهم في الجنة ، كأنهم اللؤلؤ الرطب المكنون ، في حسنهم وبهائهم ونظافتهم وحسن ملابسهم ، كما قال تعالى : { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } [ الواقعة : 17 - 18 ] . وقوله تعالى : { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } أي أقبلوا يتحادثون ويتساءلون عن أعمالهم وأحوالهم في الدنيا ، كما يتحادث أهل الشراب على شرابهم ، { قَالُوۤاْ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِيۤ أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ } أي كنا في الدار الدنيا ونحن بين أهلينا خائفين من ربنا ، مشفقين من عذابه وعقابه { فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ } أي فتصدق علينا وأجارنا مما نخاف ، { إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ } أي نتضرع إليه فاستجاب لنا وأعطانا سؤالنا { إِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ ٱلرَّحِيمُ } ، عن أنَس قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا دخل أهل الجنة الجنة اشتاقوا إلى الإخوان فيجيء سرير هذا حتى يحاذي سرير هذا ، فيتحدثان ، فيتكىء هذا ويتكىء هذا فيتحدثان بما كان في الدنيا ، فيقول أحدهما لصاحبه : يا فلان تدري أي يوم غفر الله لنا ؟ يوم كنا في موضع كذا وكذا فدعونا الله عزّ و جلّ فغفر لنا " وعن مسروق عن عائشة أنها قرأت هذه الآية : { فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ ٱلرَّحِيمُ } فقالت : اللهم منّ علينا ، وقنا عذاب السموم ، إنك أنت البر الرحيم : قيل للأعمش : في الصلاة ؟ قال : نعم .