Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 53, Ayat: 19-26)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى مقرعاً للمشركين في عبادتهم الأصنام والأوثان ، واتخاذهم لها البيوت مضاهاة للكعبة التي بناها خليل الرحمٰن ، { أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ } ؟ وكانت اللات صخرة بيضاء منقوشة ، عليها بيت بالطائف ، له أستار وسدنة ، يفتخرون بها على من عداهم من أحياء العرب بعد قريش ، قال ابن جرير : وكانوا قد اشتقوا اسمها من اسم الله فقالوا : اللات يعنون مؤنثة منه ، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ } قال : كان اللات رجلاً يلت السويق سويق الحاج . قال ابن جرير : وكذا العزى من العزيز وكانت الشجرة عليها بناء وأستار بنخلة وهي بين مكة والطائف كانت قريش يعظمونها كما قال أبو سفيان يوم أحد : " لنا العزى ولا عزى لكم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قولوا الله مولانا ولا مولى لكم " " ، وروى البخاري ، عن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من حلف فقال في حلفه واللات والعزى فليقل لا إلٰه إلا الله ، ومن قال لصاحبه : تعال أُقامرك فليتصدق " ، فهذا محمول على من سبق لسانه في ذلك كما كانت ألسنتهم قد اعتادته من زمن الجاهلية ، كما قال النسائي ، وأما مناة فكانت بالمشلل بين مكة والمدينة ، وكانت خزاعة والأوس والخزرج في جاهليتها يعظمونها ويهلون منها للحج إلى الكعبة ، وإنما أفرد هذه بالذكر لأنها أشهر من غيرها ، قال ابن إسحاق : كانت العرب اتخذت مع الكعبة طواغيت ، وهي بيوت تعظمها ، كتعظيم الكعبة ، لها سدنة وحجاب تطوف بها كطوافها بها وتنحر عندها ، فكانت لقريش ولبني كنانة ( العزى ) بنخلة ، وكان سدنتها وحجابها ( بني شيبان ) من سليم حلفاء بني هاشم ، قلت : بعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فهدمها وجعل يقول : @ يا عز كفرانك لا سبحانك إني رأيت الله قد أهانك @@ ولهذا قال تعالى : { أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } ؟ ثم قال تعالى : { أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنْثَىٰ } ؟ أي أتجعلون له ولداً وتجعلون ولده أنثى ، وتختارون لأنفسكم الذكر ، فلو اقتسمتم أنتم ومخلوق مثلكم هذه القسمة لكانت { قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ } أي جوراً باطلة ، فكيف تقاسمون ربكم هذه القسمة ، التي لو كانت بين مخلوقين كانت جوراً وسفهاً ؟ ثم قال تعالى منكراً عليهم فيما ابتدعوه وأحدثوه من عبادة الأصنام وتسميتها آلهة { إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم } أي من تلقاء أنفسكم { مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ } أي من حجة { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَمَا تَهْوَى ٱلأَنفُسُ } أي ليس له مستند إلا حسن ظنهم بآبائهم ، الذين سلكوا هذا المسلك الباطل قبلهم ، وإلا حظ نفوسهم وتعظيم آبائهم الأقدمين ، { وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلْهُدَىٰ } أي ولقد أرسل الله إليهم الرسل ، بالحق المنير والحجة القاطعة ، ومع هذا ما اتبعوا ما جاءهم به ولا انقادوا له ، ثم قال تعالى : { أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّىٰ } أي ليس كل من تمنى خيراً حصل له ، { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } [ النساء : 123 ] ولا كل من ود شيئاً يحصل له ، كما روى : " إذا تمنى أحدكم فلينظر ما يتمنى فإنه لا يدري ما يكتب له من أمنيته " وقوله : { فَلِلَّهِ ٱلآخِرَةُ وٱلأُولَىٰ } أي إنما الأمر كله لله ، مالك الدنيا والآخرة والمتصرف فيهما ، وقوله تعالى : { وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ ٱللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَىٰ } ، كقوله : { مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } [ البقرة : 255 ] ، { وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } [ سبأ : 23 ] فإذا كان هذا في حق الملائكة المقربين ، فكيف ترجون - أيها الجاهلون - شفاعة هذه الأصنام والأنداد عند الله ؟ وهو تعالى لم يشرع عبادتها ولا أذن فيها ؟