Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 53, Ayat: 33-41)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذاماً لمن تولى عن طاعة الله { فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ * وَلَـٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } [ القيامة : 31 - 32 ] ، { وَأَعْطَىٰ قَلِيلاً وَأَكْدَىٰ } قال ابن عباس : أطاع قليلاً ثم قطعه ، قال عكرمة : كمثل القوم إذا كانوا يحفرون بئراً فيجدون في أثناء الحفر صخرة تمنعهم من تمام العمل ، فيقولون : أكدينا ويتركون العمل ، وقوله تعالى : { أَعِندَهُ عِلْمُ ٱلْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰ } أي أعند هذا الذي أمسك يده خشية الإنفاق ، وقطع معروفه ، أعنده علم الغيب أنه سينفد ما في يده حتى أمسك عن معروفه فهو يرى ذلك عياناً ؟ أي ليس الأمر كذلك ، وإنما أمسك عن الصدقة والبر والصلة بخلاً وشحاً وهلعاً ، ولهذا جاء في الحديث : " أنفق بلالاً ، ولا تخش من ذي العرش إقلالاً " ، وقد قال الله تعالى : { وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } [ سبأ : 39 ] ، وقوله تعالى : { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ * وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } ؟ أي بلّغ جميع ما أمر به ، قال ابن عباس : { وَفَّىٰ } لله بالبلاغ ، وقال سعيد بن جبير : { وَفَّىٰ } ما أمر به ، وقال قتادة : { وَفَّىٰ } طاعة الله وأدى رسالته إلى خلقه ، وهذا القول هو اختيار ابن جرير وهو يشمل الذي قبله ، ويشهد له قوله تعالى : { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً } [ البقرة : 124 ] فقام بجميع الأوامر ، وترك جميع النواهي ، وبلغ الرسالة على التمام والكمال ، فاستحق بهذا أن يكون للناس إماماً يقتدى به . قال الله تعالى : { ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [ النحل : 123 ] . روى ابن حاتم ، عن أبي أمامة قال : " تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } قال : " أتدري ما وفّى " ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : " وفّى عمل يومه بأربع ركعات من أول النهار " " وعن سهل بن معاذ بن أنَس ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : " ألا أخبركم لم سمى الله تعالى إبراهيم خليله الذي وفّى ؟ إنه كان يقول كلما أصبح وأمسى : { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } " حتى ختم الآية . ثم شرع تعالى يبيّن ما كان أوحاه في صحف إبراهيم وموسى فقال : { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } أي كل نفس ظلمت نفسها بكفر أو شيء من الذنوب ، فإنما عليها وزرها لا يحمله عنها أحد ، كما قال : { وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ } [ فاطر : 18 ] ، { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } أي كما لا يحمل عليه وزر غيره ، كذلك لا يحصل من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه ، ومن هذه الآية الكريمة استنبط الشافعي رحمه الله ، أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى ، لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم ، ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته ولا حثهم عليه ، ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ، ولو كان خيراً لسبقونا إليه ، فأما الدعاء والصدقة فذاك مجمع على وصولهما ومنصوص من الشارع عليهما ، وأما الحديث الذي رواه مسلم في " صحيحه " عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : من ولد صالح يدعو له ، أو صدقة جارية من بعده ، أو علم ينتفع به " فهذه الثلاثة في الحقيقة هي من سعيه وكده وعمله ، كما جاء في الحديث : " إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه " ، والصدقة الجارية كالوقف ونحوه هي من آثار عمله ووقفه ، وقد قال تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي ٱلْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ وَآثَارَهُمْ } [ يسۤ : 12 ] الآية ، والعلم الذي نشره في الناس فاقتدى به الناس بعده هو أيضاً من سعيه وعمله ، وثبت في الصحيح : " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً " ، وقوله تعالى : { وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ } أي يوم القيامة ، كقوله تعالى : { وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ } [ التوبة : 105 ] ، فيجزيكم عليه أتم الجزاء إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر ، وهكذا قال هٰهنا { ثُمَّ يُجْزَاهُ ٱلْجَزَآءَ ٱلأَوْفَىٰ } أي الأوفر .