Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 55, Ayat: 1-13)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى عن فضله ورحمته بخلقه ، أنه أنزل على عباده القرآن ، ويسر حفظه وفهمه على من رحمه ، فقال تعالى : { ٱلرَّحْمَـٰنُ * عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ * خَلَقَ ٱلإِنسَانَ * عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ } قال الحسن : يعني النطق ، وقال الضحّاك : يعني الخير والشر ، وقول الحسن هٰهنا أحسن وأقوى ، لأن السياق في تعليمه تعالى القرآن وهو أداء تلاوته ، وإنما يكون ذلك بتيسير النطق على الخلق ، وتسهيل خروج الحروف من مواضعها ، على اختلاف مخارجها وأنواعها ، وقوله تعالى : { ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ } أي يجريان متعاقبين بحساب مقنّن ، لا يختلف ولا يضطرب . { لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ وَلاَ ٱلَّيلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [ يسۤ : 40 ] ، وقال تعالى : { فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ وَجَعَلَ ٱلْلَّيْلَ سَكَناً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَاناً ذٰلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } [ الأنعام : 96 ] . وقوله تعالى : { وَٱلنَّجْمُ وَٱلشَّجَرُ يَسْجُدَانِ } اختلف المفسرون في معنى قوله { وَٱلنَّجْمُ } ، فروي عن ابن عباس { وَٱلنَّجْمُ } ما انبسط على وجه الأرض ، يعني من النبات ، وقال مجاهد : النجم الذي في السماء ، وكذا قال الحسن وقتادة ، وهذا القول هو الأظهر والله أعلم ، لقوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ } [ الحج : 18 ] الآية ، وقوله تعالى : { وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ } يعني العدل ، كما قال تعالى : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ } [ الحديد : 25 ] وهكذا قال هٰهنا : { أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي ٱلْمِيزَانِ } أي خلق السماوات والأرض بالحق والعدل ، لتكون الأشياء كلها بالحق والعدل ، ولهذا قال تعالى : { وَأَقِيمُواْ ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ ٱلْمِيزَانَ } أي لا تبخسوا الوزن بل زنوا بالحق والقسط ، كما قال تعالى : { وَزِنُواْ بِٱلقِسْطَاسِ ٱلْمُسْتَقِيمِ } [ الإسراء : 35 ، الشعراء : 182 ] . وقوله تعالى : { وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ } أي السماء أرساها بالجبال الشامخات ، لتستقر بما على وجهها من الأنام ، وهم الخلائق المختلفة أنواعهم وأشكالهم وألوانهم في سائر أقطارها وأرجائها ، قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : الأنام : الخلق ، { فِيهَا فَاكِهَةٌ } أي مختلفة الألوان والطعوم والروائح ، { وَٱلنَّخْلُ ذَاتُ ٱلأَكْمَامِ } أفرده بالذكر لشرفه ونفعه رطباً ويابساً ، والأكمام : قال ابن عباس : هي أوعية الطلع ، وهو الذي يطلع فيه القنو ، ثم ينشق عن العنقود فيكون بسراً ثم رطباً ، ثم ينضج ويتناهى ينعه واستواؤه ، وقيل الأكمام رفاتها ، وهو الليف الذي على عنق النخلة ، وهو قول الحسن وقتادة ، { وَٱلْحَبُّ ذُو ٱلْعَصْفِ وَٱلرَّيْحَانُ } قال ابن عباس : { ذُو ٱلْعَصْفِ } يعني التبن ، وعنه : العصف ورق الزرع الأخضر الذي قطع رؤوسه ، فهو يسمى العصف إذا يبس ، وكذا قال قتادة والضحاك : عصفة : تبنه ، وقال ابن عباس ومجاهد : والريحان يعني الورق ، وقال الحسن : هو ريحانكم هذا ، ومعنى هذا - والله أعلم - أن الحب كالقمح والشعير ونحوهما ، له في حال نباته عصف وهو ما على السنبلة ، وريحان وهو الورق الملتف على ساقها ، وقيل : العصف الورق أول ما ينبت الزرع بقلا ، والريحان الورق يعني إذا أدجن وانعقد فيه الحب ، كما قال زيد بن عمرو بن نفيل في قصيدته المشهورة : @ وقولا له : من ينبت الحب في الثرى فيصبح منه البقل يهتز رابيا ويخرج منه حبه في رؤوسه ففي ذاك آيات لمن كان واعياً @@ وقوله تعالى : { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس والجن تكذبان ؟ أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها ، لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها ، فنحن نقول كما قالت الجن : " اللهم ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد " وكان ابن عباس يقول : لا بأيها يا رب ، أي لا نكذب بشيء منها .