Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 55, Ayat: 14-25)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يذكر تعالى خلقه الإنسان من صلصال كالفخار ، وخلقه الجان من مارج من نار ، وهو طرف لهبها ، قاله ابن عباس ، وعنه : { مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ } من لهب النار من أحسنها ، وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ } من خالص النار ، وكذا قال عكرمة ومجاهد والضحّاك وغيرهم ، وروى الإمام أحمد عن عائشة قالت ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خُلِقت الملائكةُ من نور ، وخلق الجان من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم " وقوله تعالى : { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } ؟ تقدم تفسيره ، { رَبُّ ٱلْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ ٱلْمَغْرِبَيْنِ } يعني مشرقي الصيف والشتاء ، ومغربي الصيف والشتاء ، وقال : { فَلاَ أُقْسِمُ بِرَبِّ ٱلْمَشَارِقِ وَٱلْمَغَارِبِ } [ المعارج : 40 ] وذلك باختلاف مطالع الشمس وتنقلها في كل يوم وبروزها منه إلى الناس ، وقال : { رَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَٱتَّخِذْهُ وَكِيلاً } [ المزمل : 9 ] ، والمراد منه جنس المشارق والمغارب ، ولما كان في اختلاف هذه المشارق والمغارب مصالح للخلق من الجن والإنس قال : { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } ؟ وقوله تعالى : { مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْن } قال ابن عباس : أي أرسلهما ، وقوله { يَلْتَقِيَانِ } قال ابن زيد : أي منعهما أن يلتقيا بما جعل بينهما من البرزخ الحاجز الفاصل بينهما ، والمراد بقوله { ٱلْبَحْرَيْنِ } : الملح والحلو ، فالحلو هذه الأنهار السارحة بين الناس ؛ وقد اختار ابن جرير : أن المراد بالبحرين بحر السماء ، وبحر الأرض ، لأن اللؤلؤ يتولد من ماء السماء وأصداف بحر الأرض ، وهذا لا يساعده اللفظ ، فإنه تعالى قد قال : { بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ } أي وجعل بينهما برزخاً وهو الحاجز من الأرض لئلا يبغي هذا على هذا وهذا على هذا ، فيفسد كل واحد منهما الآخر ، وما بين السماء والأرض لا يسمى برزخاً وحجراً محجوراً . وقوله تعالى : { يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } أي من مجموعهما ، فإذا وجد ذلك من أحدهما كفى ، كما قال تعالى { يَامَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ } [ الأنعام : 130 ] ؟ والرسل إنما كانوا في الإنس خاصة دون الجن ، وقد صح هذا الإطلاق ، واللؤلؤ معروف ، وأما المرجان فقيل : هو صغار اللؤلؤ ، وقيل : كباره وجيده ، حكاه ابن جرير عن بعض السلف . وقيل : هو نوع من الجواهر أحمر اللون ، قال ابن مسعود : المرجان الخرز الأحمر ، وأما قوله : { وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } [ فاطر : 12 ] ، فاللحم من كل من الأجاج والعذب ، والحلية إنما هي من المالح دون العذب ، قال ابن عباس : ما سقطت قط قطرة من السماء في البحر فوقعت في صدفة إلاّ صار منها لؤلؤة ، ولما كان اتخاذ هذه الحلية نعمة على أهل الأرض امتن بها عليهم فقال : { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } ؟ وقوله تعالى : { وَلَهُ ٱلْجَوَارِ ٱلْمُنشَئَاتُ } يعني السفن التي تجري { فِي ٱلْبَحْرِ } قال مجاهد : ما رفع قلعه من السفن فهي منشآت وما لم يرفع قلعه فليس بمنشآت . وقال قتادة : المنشآت يعني المخلوقات ، وقال غيره : المنشِئات بكسر الشين يعني البادئات ، { كَٱلأَعْلاَمِ } أي كالجبال في كبرها وما فيها من المتاجر والمكاسب المنقولة من قطر إلى قطر وإقليم إلى إقليم ، مما فيه صلاح الناس في جلب ما يحتاجون إليه من سائر أنواع البضائع ، ولهذا قال : { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } ؟ عن عمرة بن سويد قال : " كنت مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه على شاطىء الفرات إذا أقبلت سفينة مرفوع شراعها فبسط عليٌّ يديه ، ثم قال : يقول الله عزَّ وجلَّ : { وَلَهُ ٱلْجَوَارِ ٱلْمُنشَئَاتُ فِي ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ } والذي أنشأها تجري في بحوره ما قتلت عثمان ولا مالأت على قتله " .