Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 55, Ayat: 37-45)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى : { فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ } يوم القيامة كما دلت عليه الآيات الواردة في معناها ، كقوله تعالى : { وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ } [ الحاقة : 16 ] ، وقوله : { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَامِ وَنُزِّلَ ٱلْمَلاَئِكَةُ تَنزِيلاً } [ الفرقان : 25 ] ، وقوله : { إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } [ الإنشقاق : 1 - 2 ] ، وقوله تعالى : { فَكَانَتْ وَرْدَةً كَٱلدِّهَانِ } أي تذوب كما يذوب الدُّرْدِي والفضة في السبك ، وتتلون كما تتلون الأصباغ التي يدهن بها ، فتارة حمراء وصفراء وزرقاء وخضراء ، وذلك من شدة الأمر وهول يوم القيامة العظيم . عن أنَس بن مالك قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يبعث الناس يوم القيامة والسماء تطش عليهم " قال الجوهري : الطش المطر الضعيف ، وقال ابن عباس : { وَرْدَةً كَٱلدِّهَانِ } كالأديم الأحمر . وعنه كالفرس الورد ، وقال أبو صالح : كالبرذون الورد ، ثم كانت بعد كالدهان ، وقال الحسن البصري : تكون ألواناً ، وقال السدي : تكون كلون البغلة الوردة ، وتكون كالمهل كدردي الزيت ، وقال مجاهد : { كَٱلدِّهَانِ } كألوان الدهان ، وقال عطاء الخراساني : كلون دهن الورد في الصفرة ، وقال قتادة : هي اليوم خضراء ويومئذٍِ لونها إلى الحمرة يوم ذي ألوان ، وقال أبو الجوزاء ، في صفاء الدهن ، وقال ابن جريج : تصير السماء كالدهان الذائب ، وذلك حين يصيبها حر جهنم ، وقوله تعالى : { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ } ، وهذه كقوله تعالى : { هَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ * وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } [ المرسلات : 35 - 36 ] فهذا في حال ، و " ثَمَّ " في حال ، يسأل الخلائق عن جميع أعمالهم ، قال الله تعالى : { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ الحجر : 92 - 93 ] ، ولهذا قال قتادة { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ } ، قال : قد كانت مسألة ثم ختم على أفواه القوم ، وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ، قال ابن عباس : لا يسألهم هل عملتم كذا وكذا لأنه أعلم بذلك منهم ، ولكن يقول : لو عملتم كذا وكذا ، فهذا قول ثان ، وقال مجاهد في هذه الآية : لا تسأل الملائكة عن المجرمين بل يعرفون بسيماهم ، وهذا قول ثالث ، وكأن هذا بعد ما يؤمر بهم إلى النار فذلك الوقت لا يسألون عن ذنوبهم ، بل يقادون إليها ويلقون إليها ويلقون فيها كما قال تعالى : { يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ } أي بعلامات تظهر عليهم ، وقال الحسن وقتادة : يعرفون باسوداد الوجوه وزرقة العيون ، ( قلت ) : وهذا كما يعرف المؤمنون بالغرة والتحجيل من آثار الوضوء . وقوله تعالى : { فَيُؤْخَذُ بِٱلنَّوَاصِي وَٱلأَقْدَامِ } أي يجمع الزبانية ناصيته مع قدميه ويلقونه في النار كذلك ، وقال ابن عباس : يؤخذ بناصيته وقدميه فيكسر كما يكسر الحطب في التنور ، وقال الضحّاك : يجمع بين ناصيته وقدميه في سلسلة من وراء ظهره ، وقال السدي : يجمع بين ناصية الكافر وقدميه فتربط ناصيته بقدمه ويفتل ظهره ، وقوله تعالى : { هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } أي هذه النار التي كنتم تكذبون بوجودها ، هل هي حاضرة تشاهدونها عياناً ، يقال لهم ذلك تقريعاً وتوبيخاً وتحقيراً ، وقوله تعالى : { يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ } أي تارة يعذبون في الجحيم ، وتارة يسقون من الحميم ، وهو الشراب الذي هو كالنحاس المذاب يقطع الأمعاء والأحشاء ، وهذه كقوله تعالى : { إِذِ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وٱلسَّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي ٱلْحَمِيمِ ثُمَّ فِي ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ } [ غافر : 71 - 72 ] . وقوله تعالى : { آنٍ } أي حار قد بلغ الغاية في الحرارة قال ابن عباس : قد انتهى غليه واشتد حرّه ، وقال محمد بن كعب القرظي : يؤخذ العبد فيحرك بناصيته في ذلك الحميم ، حتى يذوب اللحم ويبقى العظم والعينان في الرأس ، وهي كالتي يقول الله تعالى : { فِي ٱلْحَمِيمِ ثُمَّ فِي ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ } [ غافر : 72 ] فقوله { حَمِيمٍ آنٍ } أي حميم حار جداً ، ولما كان معاقبة العصاة المجرمين ، وتنعيم المتقين من فضله ورحمته ، وكان إنذاره لهم عن عذابه وبأسه ، مما يزجرهم عما هم فيه من الشرك والمعاصي ، قال ممتناً بذلك على بريته : { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } ؟ .