Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 55, Ayat: 46-53)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال عطاء الخُراساني : نزلت هذه الآية { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } في أبي بكر الصديق ، وقال عطية بن قيس : نزلت في الذي قال : أحرقوني بالنار لعلي أضل الله ، قال تاب يوماً وليلة ، بعد أن تكلم بهذا فقبل الله منه وأدخله الجنة ، والصحيح أن هذه الآية عامة كما قاله ابن عباس وغيره ، يقول الله تعالى : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ } بين يدي الله عزّ وجلّ يوم القيامة { وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } [ النازعات : 40 ] ولم يطع ولا آثر الحياة الدنيا ، وعلم أن الآخرة خير وأبقى ، فأدى فرائض الله واجتنب محارمه ، فله يوم القيامة عند ربه جنتان ، كما روى البخاري رحمه الله : عن عبد الله بن قيس ، " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم عزّ وجلّ إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن " ، وقال حماد : ولا أعلمه إلا قد رفعه في قوله تعالى : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } ، وفي قوله : { وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ } [ الرحمٰن : 62 ] ، جنتان من ذهب للمقربين ، وجنتان من ورق لأصحاب اليمين . وقال عطاء بن يسار ، أخبرني أبو الدرداء " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ يوماً هذه الآية { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } فقلت : وإن زنى وإن سرق ؟ فقال : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } فقلت : وإن زنى وإن سرق ؟ فقال : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } فقلت : وإن زنى وإن سرق يا رسول الله ؟ فقال : " وإن … رغم أنف أبي الدرداء " " ، وهذه الآية عامة في الإنس والجن ، فهي من أدل دليل على أن الجن يدخلون الجنة إذا آمنوا واتقوا ، ولهذا امتن الله تعالى على الثقلين بهذا الجزاء فقال : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } ثم نعت هاتين الجنتين فقال : { ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ } أي أغصان نضرة حسنة ، تحمل من كل ثمرة نضيجة ، { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } ؟ هكذا قال عطاء وجماعة : أن الأفنان أغصان الشجر يمس بعضها بعضاً ، وقال عكرمة { ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ } يقول : ظل الأغصان على الحيطان ، ألم تسمع قول الشاعر : @ ما هاج شوقك من هديل حمامة تدعو على فنن الغصون حماما @@ وعن ابن عباس { ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ } : ذواتا ألوان ، ومعنى هذا القول أن فيهما فنوناً من الملاذ واختاره ابن جرير ، وقال عطاء : كل غصن يجمع فنوناً من الفاكهة ، وقال الربيع بن أنس : { ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ } واسعتا الفناء ، وكل هذه الأقوال صحيحة ولا منافاة بينها والله أعلم ، عن أسماء بنت أبي بكر قالت : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر سدرة المنتهى فقال : " يسير في ظل الفنن منها الراكب مائة سنة - أو قال يستظل في ظل الفنن منها مائة راكب - فيها فراش الذهب كأن ثمرها القلال " { فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ } أي تسرحان لسقي تلك الأشجار والأغصان ، فتثمر من جميع الألوان . قال الحسن البصري : إحداهما يقال لها تسنيم ، والأخرى السلسبيل ، وقال عطية : إحداهما من ماء غير آسن ، والأخرى من خمر لذة للشاربين ، ولهذا قال بعد هذا : { فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ } أي من جميع أنواع الثمار ، مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } قال ابن عباس : ما في الدنيا ثمرة حلوة ولا مرة إلا وهي في الجنة ، وليس في الدنيا مما في الآخرة إلا الأسماء ، يعني أن بين ذلك بوناً عظيماً وفرقاً بيناً في التفاضل .