Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 56, Ayat: 27-40)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما ذكر تعالى مآل السابقين وهم المقربون ، عطف عليهم بذكر أصحاب اليمين وهم الأبرار ، كما قال ميمون بن مهران : أصحاب اليمين منزلتهم دون المقربين ، فقال : { وَأَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ } أي ما حالهم وكيف مآلهم ؟ ثم فسر ذلك فقال تعالى : { فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ } قال ابن عباس وعكرمة : هو الذي لا شوك فيه ، وعن ابن عباس : هو الموقر بالثمر ، وقال قتادة : كنا نحدث أنه الموقر الذي لا شوك فيه ، والظاهر أن المراد هذا وهذا ، فإن سدر الدنيا كثير الشوك قليل الثمر ، وفي الآخرة على العكس من هذا لا شوك فيه ، وفيه الثمر الكثير الذي قد أثقل أصله ، كما روى الحافظ أبو بكر النجار ، عن سليم بن عامر قال : " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون : إن الله لينفعنا بالأعراب ومسائلهم ، قال : أقبل أعرابي يوماً فقال : يا رسول الله ذكر الله في الجنة شجرة تؤذي صاحبها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وما هي ؟ " قال : السدر ، فإن له شوكاً مؤذياً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أليس الله تعالى يقول : { فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ } خضد الله شوكه ، فجعل مكان كل شوكة ثمرة ، فإنها لتنبت ثمراً تفتق الثمرة منها عن اثنين وسبعين لوناً من طعام ما فيها لون يشبه الآخر " ، وقوله : { وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } الطلح : شجر عظام يكون بأرض الحجاز ، من شجر العضاه واحدته طلحة ، وهو شجر كثير الشوك ، وأنشد ابن جرير لبعض الحداة : @ بشَّرها دليلها وقالا غداً ترين الطلح والجبالا @@ قال مجاهد : { مَّنضُودٍ } : أي متراكم الثمر ، يذكر بذلك قريشاً لأنهم كانوا يعجبون من وج ظلاله من طلح وسدر ، قال ابن عباس : يشبه طلح الدنيا ، ولكن له ثمر أحلى من العسل ، قال الجوهري : والطلح لغة في الطلع ، ( قلت ) : وقد روي أن علياً يقول هذا الحرف في { وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } قال : طلع منضود ، فعلى هذا يكون من صفة السدر ، فكأنه وصفه بأنه مخضود وهو الذي لا شوك له ، وأن طلعه منضود ، وهو كثرة ثمره والله أعلم . وعن أبي سعيد { وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } قال : الموز ، وأهل اليمن يسمون الموز : الطلح ، ولم يحك ابن جرير غير هذا القول ، وقوله تعالى : { وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } روى البخاري ، عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها ، اقرأوا إن شئتم { وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } " وقال الإمام أحمد ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام ، إقرأوا إن شئتم { وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } " وقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد وسهل بن سعد " عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام ما يقطعها " ، فهذا حديث ثابت عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بل متواتر مقطوع بصحته عند أئمة الحديث النقاد لتعدد طرقه وقوة أسانيده وثقة رجاله . وقال الترمذي ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما في الجنة من شجرة إلا ساقها من ذهب " وقال الضحّاك والسدي في قوله تعالى : { وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } لا ينقطع ليس فيها شمس ولا حر مثل قبل طلوع الفجر ، وقال ابن مسعود : الجنة سَجْسَجْ كما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وقد تقدمت الآيات كقوله تعالى : { وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً } [ النساء : 57 ] وقوله : { أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا } [ الرعد : 35 ] ، وقوله : { فِي ظِلاَلٍ وَعُيُونٍ } [ المرسلات : 41 ] إلى غير ذلك من الآيات . وقوله تعالى : { وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ } قال الثوري : يجري في غير أخدود ، وقد تقدم الكلام عند تفسير قوله تعالى : { فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ } [ محمد : 15 ] الآية ، بما أغنى عن إعادته هٰهنا . وقوله تعالى : { وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ } أي وعندهم من الفواكه الكثيرة المتنوعة في الألوان ، مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، كما قال تعالى : { كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً } [ البقرة : 25 ] أي يشبه الشكل الشكل ، ولكن الطعم غير الطعم ، وفي " الصحيحين " في ذكر سدرة المنتهى : فإذا ورقها كآذان الفيلة ونبقها مثلا قلال هجر ، وروى الحافظ أبو يعلى ، عن جابر قال : " بينا نحن في صلاة الظهر إذ تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدمنا معه ، ثم تناول شيئاً ليأخذه ثم تأخر ، فلما قضى الصلاة ، قال له أبي بن كعب : يا رسول الله صنعت اليوم في الصلاة شيئاً ما كنت تصنعه ، قال : " إنه عرضت عليَّ الجنة وما فيها من الزهرة والنضرة ، فتناولت منها قطفاً من عنب لآتيكم به فحيل بيني وبينه ، ولو أتيتكم به لأكل منه من بين السماء والأرض لا ينقص منه " " وقوله تعالى : { لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ } أي لا تنقطع شتاء ولا صيفاً ، بل أكلها دائم مستمر أبداً ، مهما طلبوا وجدوا لا يمتنع عليهم بقدرة الله شيء ، وقال قتادة : لا يمنعهم من تناولها عود ولا شوك ولا بعد ، وقد تقدم في الحديث : " إذا تناول الرجل الثمرة عادت مكانها أُخْرى " . وقوله تعالى : { وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ } أي عالية وطيئة ناعمة ، روى النسائي ، عن أبي سعيد " عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : { وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ } قال : ارتفاعها كما بين السماء والأرض ومسيرة ما بينهما خمسمائة عام " وعن الحسن : { وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ } قال : ارتفاع فراش الرجل من أهل الجنة مسيرة ثمانين سنة ، وقوله تعالى : { إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً * عُرُباً أَتْرَاباً * لأَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } جرى الضمير على غير مذكور ، لكن لما دل السياق وهو ذكر الفرش على النساء اللاتي يضاجعن فيها اكتفى بذلك عن ذكرهنَّ وعاد الضمير عليهن ، قال الأخفش في قوله تعالى : { إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ } أضمرهن ولم يذكرن قبل ذلك ، وقال أبو عبيدة ذكرن في قوله تعالى : { وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ } [ الواقعة : 22 - 23 ] ، فقوله تعالى : { إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ } أي أعدناهن في النشأة الأخرى بعد ما كن عجائز رمصاً ، صرن ، { أَبْكَاراً * عُرُباً } أي بعد الثيوبة عدن أبكاراً عرباً ، متحببات إلى أزواجهن بالحلاوة والظرافة والملاحة ، وقال بعضهم { عُرُباً } أي غنجات ، عن أنَس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنا أنشأناهن إنشاء قال : نساء عجائز كنَّ في الدنيا عمشاً رمصاً " وعن سلمة بن يزيد قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في قوله تعالى : { إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً } يعني الثيب والأبكار اللاتي كن في الدنيا ، وقال عبد بن حميد قال : أتت عجوز ، فقالت : يا رسول الله ادع الله تعالى أن يدخلني الجنة فقال : " يا أم فلان إن الجنة لا تدخلها عجوز " قال : فولت تبكي ، قال : أخبروها إنها لا تدخلها ، وهي عجوز ، إن الله تعالى يقول : { إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً } " . وعن أم سلمة قالت : " قلت : يا رسول الله أخبرني عن قول الله تعالى : { حُورٌ عِينٌ } قال : " حور " بيض " عين " ضخام العيون ، شفر الحوراء بمنزلة جناح النسر ، قلت : أخبرني عن قوله تعالى : { كَأَمْثَالِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ } قال : " صفاؤهن صفاء الدر الذي في الأصداف الذي لم تمسه الأيدي " قلت : أخبرني عن قوله : { فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ } قال : " خيرات الأخلاق حسان الوجوه " ، قلت أخبرني عن قوله : { كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ } قال : " رقتهن كرقة الجلد الذي رأيت في داخل البيضة مما يلي القشر وهو الغرقيء " قلت : يا رسول الله أخبرني عن قوله : { عُرُباً أَتْرَاباً } قال : " هن اللواتي قبضن في الدار الدنيا عجائز رمصاً شمطاً خلقهن الله بعد الكبر ، فجعلهن عذارى عرباً متعشقات محببات أتراباً على ميلاد واحد " ، قلت : يا رسول الله نساء الدنيا أفضل أَم الحور العين ؟ قال : " بل نساء الدنيا أفضل من الحور العين كفضل الظهارة على البطانة " ، قلت : يا رسول الله وبم ذاك ؟ قال : " بصلاتهن وصيامهن وعبادتهن الله عزّ وجلّ ، ألبس الله وجوههن النور ، وأجسادهن الحرير ، بيض الألوان خضر الثياب ، صفر الحلي ، مجامرهن الدر ، وأمشاطهن الذهب ، يقلن : نحن الخالدات فلا نموت أبداً ، ونحن الناعمات فلا نبأس أبداً ، ونحن المقيمات فلا نظعن أبداً ، ألا ونحن الراضيات فلا نسخط أبداً ، طوبى لمن كنا له وكان لنا " ، قلت : يا رسول الله المرأة منا تتزوج الزوجين والثلاثة والأربعة ، ثم تموت فتدخل الجنة ويدخلون معها من يكون زوجها ؟ قال : " يا أم سلمة إنها تخير فتختار أحسنهم خلقاً ، فتقول : يا رب إن هذا كان أحسن خلقاً معي فزوجنيه ، يا أم سلمة ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة " وفي الحديث : " إن أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم عدن أبكاراً " وعن أبي هريرة قال ، " قيل : يا رسول الله هل نصل إلى نسائنا في الجنة ؟ قال : " إن الرجل ليصل في اليوم إلى مائة عذراء " " . وقوله تعالى : { عُرُباً } ، قال ابن عباس : يعني متحببات إلى أزواجهن ، ألم تر إلى الناقة الضبعة هي كذلك ، وقال الضحّاك عنه : العرب العواشق لأزواجهن ، وأزواجهن لهن عاشقون ، وقال عكرمة : سئل ابن عباس عن قوله { عُرُباً } قال : هي المَلِقة لزوجها ، وقال عكرمة : هي الغنجة ، وعنه هي الشكلة ، وقال عبد الله بن بريدة في قوله : { عُرُباً } قال : الشكلة بلغة أهل مكة ، والغنجة بلغة أهل المدينة ، وقال تميم بن حذلم : هي حسن التبعل ، وقوله : { أَتْرَاباً } قال ابن عباس : يعني في سن واحدة ثلاث وثلاثين سنة ، وقال مجاهد : الأتراب : المستويات ، وفي رواية عنه : الأمثال ، وقال عطية : الأقران ، وقال السدي : { أَتْرَاباً } أي في الأخلاق المتواخيات بينهن ، ليس بينهن تباغض ولا تحاسد ، يعني لا كما كن ضرائر متعاديات ، وقال ابن أبي حاتم ، عن الحسن ومحمد { عُرُباً أَتْرَاباً } قالا : المستويات الأسنان يأتلفن جميعاً ويلعبن جميعاً ، وقد روى الترمذي ، عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن في الجنة لمجتمعاً للحور العين يرفعن أصواتاً لم تسمع الخلائق بمثلها - قال - يقلن : " نحن الخالدات فلا نبيد ، ونحن الناعمات فلا نبأس ، ونحن الراضيات فلا نسخط ، طوبى لمن كان لنا وكنا له " " وعن أنَس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الحور العين ليغنين في الجنة يقلن : نحن خيرات حسان خبئنا لأزواج كرام " وقوله تعالى : { لأَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } أي خلقنا لأصحاب اليمين أو زوجن لأصحاب اليمين والأظهر أنه متعلق بقوله : { إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً } فتقديره أنشأناهن لأصحاب اليمين ، وهذا توجيه ابن جرير ، قلت : ويحتمل أن يكون قوله : { لأَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } متعلقاً بما قبله ، وهو قوله : { أَتْرَاباً * لأَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } أي في أسنانهم ، كما جاء في الحديث عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر والذين يلونهم على ضوء أشد كوكب دري في السماء إضاءة ، لا يبولون ولا يتغوطون ، ولا يتفلون ، ولا يتمخطون ، أمشاطهم الذهب وريحهم المسك ، ومجامرهم الألوة ، وأرواحهم الحور العين ، أخلاقهم على خلق رجل واحد ، على صورة أبيهم آدم ستون ذارعاً في السماء " وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يدخل أهل الجنة الجنة جرداً مرداً بيضاً جعاداً مكحلين أبناء ثلاث وثلاثين وهم على خلق آدم ستون ذراعاً في عرض سعبة أذرع " وروى ابن وهب ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من مات من أهل الجنة من صغير أو كبير يردون بني ثلاث وثلاثين في الجنة لا يزيدون عليها أبداً وكذلك أهل النار " وروى ابن أبي الدنيا ، عن أنَس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يدخل أهل الجنة الجنة على طول آدم ستين ذراعاً بذراع الملك ! على حسن يوسف وعلى ميلاد عيسى ثلاث وثلاثين سنة وعلى لسان محمد جرد مرد مكحلون " ، وقال أبو بكر ابن أبي داود ، عن أنَس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يبعث أهل الجنة على صورة آدم في ميلاد عيسى ثلاث وثلاثين جرداً مرداً مكحلين . ثم يذهب بهم إلى شجرة في الجنة فيكسون منها لا تبلى ثيابهم ولا يفنى شبابهم " وقوله تعالى : { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } أي جماعة من الأولين وجماعة من الآخرين . وعن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هما جميعاً من أُمتي " .