Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 56, Ayat: 63-74)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى : { أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ } ؟ وهو شق الأرض وإثارتها والبذر فيها ، { أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ } ؟ أي تنبتونه في الأرض { أَمْ نَحْنُ ٱلزَّارِعُونَ } ؟ أي بل نحن الذي نقره قراره وننبته في الأرض ، روي عن حجر المدري أنه كان إذا قرأ { أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ ٱلزَّارِعُونَ } وأمثالها ، يقول : بل أنت يا رب ، وقوله تعالى : { لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً } أي نحن أنبتناه بلطفنا ورحمتنا ، وأبقيناه لكم رحمة بكم ، ولو نشاء لجعلناه حطاماً ، أي لأيبسناه قبل استوائه واستحصاده ، { فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ } . ثم فسر ذلك بقوله : { إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } أي لو جعلناه حطاماً لظلتم تفكهون في المقالة تنوعون كلامكم ، فتقولون تارة : { إِنَّا لَمُغْرَمُونَ } أي لملقون ، وقال مجاهد وعكرمة : إنا لمولع بنا ، وقال قتادة : معذبون ، وتارة تقولون : { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } أي لا يثبت لنا مال ولا ينتج لنا ربح ، وقال مجاهد : { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } أي مجدودون يعني لا حظ لنا ، وقال ابن عباس ومجاهد : { فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ } تعجبون ، وقال مجاهد أيضاً : { فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ } تفجعون وتحزنون على ما فاتكم من زرعكم ، وهذا يرجع إلى الأول ، وهو التعجب من السبب الذي من أجله أصيبوا في مالهم ، وهذا اختيار ابن جرير . وقال عكرمة : { فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ } تلاومون ، وقال الحسن وقتادة : { فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ } تندمون ومعناه إما على ما أنفقتم أو على ما أسلفتم من الذنوب ، قال الكسائي : تفكه من الأضداد ، تقول العرب : تفكهت بمعنى تنعمت ، وتفكهت بمعنى حزنت . ثم قال تعالى : { أَفَرَأَيْتُمُ ٱلْمَآءَ ٱلَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ ٱلْمُزْنِ } ، يعني السحاب ، { أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنزِلُونَ } ، يقول : بل نحن المنزلون ، { لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً } أي زعافاً مراً لا يصلح لشرب ولا زرع ، { فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ } أي فهلا تشكرون نعمة الله عليكم في إنزاله المطر عليكم عذباً زلالاً ، { لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ } [ النحل : 10 ] روى ابن أبي حاتم ، عن جابر ، عن أبي جعفر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا شرب الماء قال : " الحمد الله الذي سقانا عذباً فراتاً برحمته ، ولم يجعله ملحاً أجاجاً بذنوبنا " ثم قال : { أَفَرَأَيْتُمُ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي تُورُونَ } أي تقدحون من الزناد وتستخرجونها من أصلها { أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنشِئُونَ } أي بل نحن الذين جعلناها مودعة في موضعها ، وللعرب شجرتان : إحداهما ( المرخ ) والأُخرى ( العفار ) إذا أخذ منهما غصنان أخضران فحك أحدهما بالآخر تناثر من بينهما شرر النار ، وقوله تعالى : { نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً } قال مجاهد وقتادة : أي تذكر النار الكبرى ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن ناركم هذه جزء من سبعين جزء من نار جهنم وضربت بالبحر ، مرتين ، ولولا ذلك ما جعل الله فيها منفعة لأحد " ، وقال الإمام مالك ، عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " نار بني آدم التي يوقدون جزء من سبعين جزء من نار جهنم " ، فقالوا : يا رسول الله إن كانت لكافية ، فقال : " إنها قد فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً " " ، وفي لفظ : " والذي نفسي بيده لقد فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلهن مثل حرها " . وقوله تعالى : { وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ } قال ابن عباس ومجاهد : يعني بالمقوين المسافرين ، واختاره ابن جرير ، وقال ابن أسلم : المقوي هٰهنا الجائع ، وقال ليث ، عن مجاهد { وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ } : للحاضر والمسافر ، لكل طعام لا يصلحه إلا النار ، وعنه : { لِّلْمُقْوِينَ } يعني المستمتعين من الناس أجمعين ، وهذا التفسير أعم من غيره ، فإن الحاضر والبادي من غني وفقير ، الجميع محتاجون إليها للطبخ والاصطلاء والإضاءة ، وغير ذلك من المنافع ، ثم من لطف الله تعالى أن أودعها في الأحجار وخالص الحديد ، بحيث يتمكن المسافر من حمل ذلك في متاعه وبين ثيابه ، فإذا احتاج إلى ذلك في منزله أخرج زنده وأورى وأوقد ناره فاطبخ بها واصطلى بها واشتوى واستأنس بها ، وانتفع بها سائر الانتفاعات ، فلهذا أفرد المسافرون ، وإن كان ذلك عاماً في حق الناس كلهم ، وفي الحديث : " المسلمون شركاء في ثلاثة : النار والكلأ والماء " وفي رواية : " ثلاثة لا يمنعن : الماء والكلأ والنار " وقوله تعالى : { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } أي الذي بقدرته خلق هذه الأشياء المختلفة المتضادة ، الماء الزلال العذب البارد ، ولو شاء لجعله ملحاً أجاجاً كالبحار المغرقة ، وخلق النار المحرقة ، وجعل ذلك مصلحة للعباد ، وجعل هذه منفعة لهم في معاش دنياهم ، وزجراً لهم في المعاد .