Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 56, Ayat: 75-82)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال الضحّاك : إن الله تعالى لا يقسم بشيء من خلقه ، ولكنه استفتاح يستفتح به كلامه ، وهذا القول ضعيف ، والذي عليه الجمهور أنه قسم من الله تعالى يقسم بما شاء من خلقه وهو دليل على عظمته ، ثم قال بعض المفسرين : ( لا ) هٰهنا زائدة ، وتقديره : أقسم بمواقع النجوم ، ويكون جوابه : { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } ، وقال آخرون : ليست ( لا ) زائدة بل يؤتى بها في أول القسم إذا كان مقسماً به على منفي ، تقدير الكلام : لا أقسم بمواقع النجوم ، ليس الأمر كما زعمتم في القرآن أنه سحر أو كهانة بل هو قرآن كريم ، وقال بعضهم : معنى قوله : { فَلاَ أُقْسِمُ } فليس الأمر كما تقولون ، ثم استأنف القسم بعد ذلك فقيل : اقسم ، واختلفوا في معنى قوله : { بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } فقال ابن عباس : يعني نجوم القرآن ، فإنه نزل جملة ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا ، ثم نزل مفرقاً في السنين بعد ، ثم قرأ ابن عباس هذه الآية ، وقال مجاهد : { بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } في السماء ويقال مطالعها ومشارقها وهو اختيار ابن جرير ، وعن قتادة : مواقعها : منازلها ، وعن الحسن : أن المراد بذلك انتثارها يوم القيامة ، وقوله : { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } أي وإن هذا القسم الذي أقسمت به لقسم عظيم ، لو تعلمون عظمته لعظمتم المقسم به ، { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } أي إن هذا القرآن الذي نزل على محمد لكتاب عظيم { فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ } أي معظم في كتاب معظم محفوظ موقر ، عن ابن عباس قال : الكتاب الذي في السماء ، { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } يعني الملائكة ، وقال ابن جرير ، عن قتادة { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } قال : لا يمسه عند الله إلا المطهرون ، فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسي النجس ، والمنافق الرجس ، وقال أبو العالية : { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } ليس أنتم أصحاب الذنوب ، وقال ابن زيد : زعمت كفّار قريش أن هذا القرآن تنزلت به الشياطين ، فأخبر الله تعالى أنه لا يمسه إلا المطهرون ، كما قال تعالى : { وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ ٱلشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ ٱلسَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ } [ الشعراء : 210 - 212 ] ، وهذا القول قول جيد ، وهو لا يخرج عن الأقوال التي قبله ، وقال الفراء : لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن به ، وقال آخرون : { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } أي من الجنابة والحدث ، قالوا : ولفظ الآية خبر ، ومعناها الطلب ، قالوا : والمراد بالقرآن هٰهنا المصحف ، كما روى مسلم عن ابن عمر : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو " ، واحتجوا بما رواه الإمام مالك أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حازم أن " لا يمس القرآن إلا طاهر " وروى أبو داود في " المراسيل " من حديث الزهري قال : قرأت في صحيفة عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ولا يمس القرآن إلا طاهر " ، وهذه وجادة جيدة قد قرأها الزهري وغيره ، ومثل هذا ينبغي الأخذ به . وقوله تعالى : { تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أي هذا القرآن منزل من الله رب العالمين ، وليس هو كما يقولون إنه سحر أو كهانة أو شعر ، بل هو الحق الذي لا مرية فيه ، وليس وراءه حق نافع ، وقوله تعالى : { أَفَبِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ } قال ابن عباس : أي مكذبون غير مصدقين ، وقال مجاهد : { مُّدْهِنُونَ } أي تريدون أن تمالئوهم فيه وتركنوا إليهم { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } قال بعضهم : معنى { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ } بمعنى شكركم أنكم تكذبون بدل الشكر ، عن علي رضي الله عنه قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وتجعلون " رزقكم يقول : شكركم أنكم تكذبون ، تقولون : مطرنا بنوء كذا وكذا ، بنجم كذا وكذا " وقال مجاهد : { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } قال : قولهم في الأنواء : مطرنا بنوء كذا وبنوء كذا يقول : قولوا هو من عند الله وهو رزقه ، وقال قتادة : أما الحسن فكان يقول : بئس ما أخذ قوم لأنفسهم ، لم يرزقوا من كتاب الله إلا التكذيب ، فمعنى قول الحسن هذا وتجعلون حظكم من كتاب الله أنكم تكذبون به ، ولهذا قال قبله : { أَفَبِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ * وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } .