Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 58, Ayat: 2-4)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

روى الإمام أحمد ، عن خولة بنت ثعلبة ، قالت : " فيّ والله وفي أوس بن الصامت أنزل الله صدر سورة المجادلة قالت : كنت عنده ، وكان شيخاً كبيراً قد ساء خلقه ، قالت : فدخل عليّ يوماً فراجعته بشيء فغضب ، فقال : أنتِ عليَّ كظهر أُمي ؛ قالت : ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة ، ثم دخل عليّ ، فإذا هو يريدني عن نفسي ، قالت ، قلت : كلا والذي نفس خويلة بيده لا تخلص إليّ وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه ، قالت : فواثبني فامتنعت بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف ، فألقيته عني ، قالت : ثم خرجت إلى بعض جاراتي فاستعرت منها ثياباً ، ثم خرجت حتى جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست بين يديه ، فذكرت له ما لقيت منه وجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوء خلقه ، قالت : فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ؛ " يا خويلة ابن عمك شيخ كبير فاتقي الله فيه " قالت : فوالله ما برحت ، حتى نزل فيّ قرآن ، فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه ، ثم سري عنه فقال لي : " يا خويلة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك قرآناً " ثم قرأ عليّ { قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } إلى قوله تعالى : { وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } قالت ، فقال رسول الله صلى الله عليه سلم : " مريه فليعتق رقبة " قالت ، فقلت : يا رسول الله ما عنده ما يعتق ، قال : " فليصم شهرين متتابعين " ، قالت : فقلت : والله إنه لشيخ كبير ما به من صيام ، قال : " فليطعم ستين مسكيناً وسقاً من تمر " ، قالت ، فقلت : والله يا رسول الله ما ذاك عنده ، قالت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فإنا سنعينه بفرق من تمر " ، قالت ، فقلت : يا رسول الله وأنا سأعينه بفرق آخر ، قال : " قد أصبت وأحسنت فاذهبي فتصدقي به عنه ثم استوصي بابن عمك خيراً " . قالت : ففعلت " هذا هو الصحيح في سبب نزول هذه السورة ؛ قال ابن عباس : " أول من ظاهر من امرأته ( أوس بن الصامت ) أخو عبادة بن الصامت وامرأته ( خولة بنت ثعلبة بن مالك ) فلما ظاهر منها خشيت أن يكون ذلك طلاقاً ، فأتت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن أوساً ظاهر مني ، وإنا إن افترقنا هلكنا . وقد نثرت بطني منه وقدمت صحبته ، وهي تشكو ذلك وتبكي ، ولم يكن جاء في ذلك شيء ، فأنزل الله تعالى : { قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } إلى قوله تعالى : { وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أتقدر على رقبة تعتقها " ؟ قال : لا والله يا رسول الله ما أقدر عليها ، قال ، فجمع له رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أعتق عتقه ، ثم راجع أهله " . وقوله تعالى : { ٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ } أصل الظهار مشتق من الظهر ، وذلك أن الجاهلية كانوا إذا ظاهر أحدهم من امرأته قال لها : أنت عليّ كظهر أُمّي ، وكان الظهار عند الجاهلية طلاقاً فأرخص الله لهذه الأُمّة وجعل فيه كفارة ولم يجعله طلاقاً كما كانوا يعتمدونه في جاهليتهم . هكذا قال غير واحد من السلف ، وقال سعيد بن جبير : كان الإيلاء والظهار من طلاق الجاهلية فوقّت الله الإيلاء أربعة أشهر ، وجعل في الظهار الكفارة ، وقوله تعالى : { مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ } أي لا تصير المرأة بقول الرجل أنت عليّ كأُمّي ، أو مثل أُمي ، أو كظهر أُمي وما أشبه ذلك ، لا تصير أُمه بذلك إنما أمه التي ولدته ، ولهذا قال تعالى : { وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ ٱلْقَوْلِ وَزُوراً } أي كلاماً فاحشاً باطلاً ، { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } أي عما كان منكم في حال الجاهلية ، وهكذا أيضاً عما خرج من سبق اللسان ولم يقصد إليه المتكلم ، كما روي " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول لامرأته : يا أُختي ، فقال : " أختك هي ؟ " " فهذا إنكار ، ولكن لم يحرمها عليه بمجرد ذلك لأنه لم يقصده ، ولو قصده لحرمت عليه ، لأنه لا فرق على الصحيح بين الأُم وبين غيرها من سائر المحارم من أُخت وعمَّة وخالة وما أشبه ذلك . وقوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ } اختلف السلف والأئمة في المراد بقوله تعالى { ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ } فقال بعض الناس : العود هو أن يعود إلى لفظ الظهار فيكرره ، وهذا القول باطل ، وهو اختيار ابن حزم ، وقال الشافعي : هو أن يمسكها بعد المظاهرة زماناً يمكنه أن يطلق فيه فلا يطلق ، وقال أحمد بن حنبل : هو أن يعود إلى الجماع أو يعزم عليه فلا تحل له حتى يكفر بهذه الكفارة ، وقد حكي عن مالك أنه العزم على الجماع أو الإمساك وعنه أنه الجماع ، وقال أبو حنيفة : هو أن يعود إلى الظهار بعد تحريمه ورفع ما كان عليه أمر الجاهلية ، فمتى ظاهر الرجل من امرأته فقد حرمها تحريماً لا يرفعه إلا الكفارة ، وعن سعيد بن جبير { ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ } يعني يريدون أن يعودوا في الجماع الذي حرموه على أنفسهم . وقال الحسن البصري : يعني الغشيان في الفرج وكان لا يرى بأساً أن يغشى فيما دون الفرج قبل أن يكفّر . وقال ابن عباس : { مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا } والمس النكاح . وقال الزهري : ليس له أن يقبلها ولا يمسها حتى يكفر ، وقد روى أهل السنن من حديث عكرمة ، عن ابن عباس " أن رجلاً قال : يا رسول الله إني ظاهرت من امرأتي فوقعت عليها قبل أن أكفر ، فقال : " ما حملك على ذلك يرحمك الله ؟ " قال : رأيت خلخالها في ضوء القمر ، قال : " فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله عزّ وجلّ " " وقوله تعالى : { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } أي فإعتاق رقبة كاملة من قبل أن يتماسا ، فهٰهنا الرقبة مطلقة غير مقيدة بالإيمان ، وفي كفارة القتل مقيدة بالإيمان ، فحمل الشافعي رحمه الله ما أطلق هٰهنا على ما قيّد هناك لاتحاد الموجب ، وهو عتق الرقبة ، وقوله تعالى : { ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ } أي تزجرون به ، { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } أي خبير بما يصلحكم { عَلِيمٌ } بأحوالكم ، وقوله تعالى : { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً } قد تقدمت الأحاديث الآمرة بهذا على الترتيب ، كما ثبت في الصحيحين في قصة الذي جامع امرأته في رمضان { ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } أي شرعنا هذا لهذا ، وقوله تعالى : { وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ } أي محارمه فلا تنتهكوها . وقوله تعالى : { وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي الذين لم يؤمنوا ولا التزموا بأحكام هذه الشريعة ، لا تعتقدوا أنهم ناجون من البلاء ، كلا ليس الأمر كما زعموا ، بل لهم عذاب أليم أي في الدنيا والآخرة .