Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 93-94)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } أي لا أحد أظلم ممن كذب على الله فجعل له شركاء أو ولداً ، أو ادعى أن الله أرسله إلى الناس ولم يرسله ، ولهذا قال تعالى : { أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ } ، قال عكرمة وقتادة : نزلت في مسيلمة الكذاب ، { وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ ٱللَّهُ } أي ومن ادعى أنه يعارض ما جاء من عند الله من الوحي مما يفتريه من القول ، كقوله تعالى : { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَـٰذَا } [ الأنفال : 31 ] الآية . قال الله تعالى : { وَلَوْ تَرَىۤ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ } أي في سكراته وغمراته وكرباته ، { وَٱلْمَلاۤئِكَةُ بَاسِطُوۤاْ أَيْدِيهِمْ } أي بالضرب ، كقوله : { لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي } [ المائدة : 28 ] الآية ، وقوله : { وَيَبْسُطُوۤاْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِٱلسُّوۤءِ } [ الممتحنة : 2 ] الآية ، وقال الضحاك : { بَاسِطُوۤاْ أَيْدِيهِمْ } أي بالعذاب ، كقوله : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } [ الأنفال : 50 ] ، ولهذا قال : { وَٱلْمَلاۤئِكَةُ بَاسِطُوۤاْ أَيْدِيهِمْ } أي بالضرب لهم حتى تخرج أنفسهم من أجسادهم ، ولهذا يقولون لهم : { أَخْرِجُوۤاْ أَنْفُسَكُمُ } ، وذلك أن الكافر إذا احتضر بشرته الملائكة بالعذاب والنكال والأغلال والسلاسل والجحيم والحميم وغضب الرحمن الرحيم ، فتتفرق روحه في جسده ، وتعصى ، وتأبى الخروج ، فتضربهم الملائكة حتى تخرج أرواحهم من أجسادهم ، قائلين لهم : { أَخْرِجُوۤاْ أَنْفُسَكُمُ ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ } الآية ، أي اليوم تهانون غاية الإهانة كما كنتم تكذبون على الله وتستكبرون اتباع آياته ، والانقياد لرسله ، وقد وردت الأحاديث المتواترة في كيفية احتضار المؤمن والكافر ، وهي مقررة عند قوله تعالى : { يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ } [ إبراهيم : 27 ] . وقوله تعالى : { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } ، أي يقال لهم يوم معادهم هذا ، كما قال : { وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفَّاً لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [ الكهف : 48 ] أي كما بدأناكم أعدناكم ، وقد كنتم تنكرون ذلك وتستبعدونه فهذا يوم البعث ، وقوله : { وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ } أي من النعم والأموال التي اقتنيتموها في الدار الدنيا وراء ظهوركم ، وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يقول ابن آدم : مالي مالي ! وهل لك من مالك إلاّ ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأبقيت ؟ وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس " وقال الحسن البصري : يؤتى بابن آدم يوم القيامة كأنه بَذَج فيقول الله عزَّ وجلَّ : أين ما جمعت ؟ فيقول : يا رب جمعته وتركته أوفر ما كان ، فيقول له : يا ابن آدم أين ما قدمت لنفسك ؟ فلا يراه قدم شيئاً ، وتلا هذه الآية : { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ } الآية ، وقوله : { وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ } تقريع لهم وتوبيخ على ما كانوا اتخذوا في الدنيا من الأنداد والأصنام والأوثان ، ظانين أنها تنفعهم في معاشهم ومعادهم إن كان ثم معاد ، فإن كان يوم القيامة تقطعت بهم الأسباب وانزاح الضلال ، وضل عنهم ما كانوا يفترون ، ويناديهم الرب جلَّ جلاله على رؤوس الخلائق : { أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } [ القصص : 62 ، 74 ] ويقال لهم : { أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ } [ الشعراء : 92 - 93 ] ولهذا قال هٰهنا : { وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ } أي في العبادة ، لهم فيكم قسط في استحقاق العبادة لهم ، ثم قال تعالى : { لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ } قرىء بالرفع أي شملكم ، وبالنصب أي لقد تقطع ما بينكم من الأسباب والوصلات والوسائل ، { وَضَلَّ عَنكُم } أي ذهب عنكم ، { مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } من رجاء الأصنام والأنداد ، كقوله تعالى : { إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ ٱلأَسْبَابُ } [ البقرة : 166 ] ، وقال تعالى : { فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } [ المؤمنون : 101 ] ، وقال تعالى : { ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } [ العنكبوت : 25 ] ، وقال : { وَقِيلَ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ } [ القصص : 64 ] الآية ، والآيات في هذا كثيرة جداً .