Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 60, Ayat: 10-11)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

تقدم في سورة الفتح ذكر صلح الحُدَيبية ، الذي وقع بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش ، فكان فيه : على أن لا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلاّ رددته إلينا ، فعلى هذه الرواية تكون هذه الآية مخصّصة للسنة ، وعلى طريقة بعض السلف ناسخة ، فإن الله عزَّ وجلَّ أمر عباده المؤمنين إذا جاءهم النساء مهاجرات أن يمتحنوهن ، فإن علموهن مؤمنات فلا يرجعوهن إلى الكفار { لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } ، وسبب النزول ما روي أنه لما هاجرت ( أُم كلثوم ) بنت عقبة بن أبي معيط ، خرج أخواها ( عمارة ) و ( الوليد ) حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلماه فيها أن يردها إليهما ، فنقض الله العهد بينه وبين المشركين في النساء خاصة ، فمنعهم أن يردوهن إلى المشركين وأنزل الله آية الامتحان ، روى ابن جرير ، عن أبي نصر الأسدي قال : سئل ابن عباس كيف كان امتحان رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء ، قال : كان يمتحنهن بالله ما خرجت من بغض زوج ، وبالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض ، وبالله ما خرجت التماس دنيا ، والله ما خرجت إلاّ حباً لله ولرسوله . وقال ابن عباس في قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَٱمْتَحِنُوهُنَّ } كان امتحانهن أن يشهدن أن لا إلٰه إلا الله وأن محمداً عبد الله ورسوله ، وقال مجاهد : { فَٱمْتَحِنُوهُنَّ } فاسألوهن عما جاء بهن ، فإن كان جاء بهن غضب على أزواجهن أو سخطة أو غيره ولم يؤمنَّ فارجعوهن إلى أزواجهن ، وقال عكرمة : يقال لها ما جاء بك إلاّ حب الله ورسوله ، ما جاء بك عشق رجل منا ، ولا فرار من زوجك ، فذلك قوله { فَٱمْتَحِنُوهُنَّ } ، وقال قتادة : كانت محنتهن أن يستحلفن بالله ما أخرجكن النشوز ، وما أخرجكن إلاّ حب الإسلام وأهله ، وحرص عليه ، فإذا قلن ذلك قبل ذلك منهن . وقوله تعالى : { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ } فيه دلالة على أن الإيمان يمكن الاطلاع عليه يقيناً ، وقوله تعالى : { لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } هذه الآية هي التي حرمت المسلمات على المشركين ، وقد كان جائزاً في ابتداء الإسلام أن يتزوج المشرك المؤمنة ، ولهذا كان أمر ( أبي العاص بن الربيع ) زوج ابنة النبي صلى الله عليه وسلم زينب رضي الله عنها ، وقد كانت مسلمة وهو على دين قومه ، فلما وقع في الأسارى يوم بدر بعثت امرأته زينب في فدائه بقلادة لها كانت لأمها خديجة ، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رقّ لها رقة شديدة وقال للمسلمين : " إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها فافعلوا " ففعلوا فأطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يبعث ابنته إليه ، فوفى له بذلك ، وصدقه فيما وعده ، وبعثها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زيد بن حارثة رضي الله عنه ، فأقامت بالمدينة من بعد وقعة بدر ، وكانت سنة ( اثنتين ) إلى أن أسلم زوجها أبو العاص بن الربيع سنة ( ثمان ) فردها إليه بالنكاح الأول ، ولم يحدث لها صداقاً ؛ كما روى الإمام أحمد ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد ابنته زينب على أبي العاص ، وكانت هجرتها قبل إسلامه بست سنين على النكاح ، ولم يحدث شهادة ولا صداقاً . وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد ابنته على أبي العاص بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد . والذي عليه الأكثرون أنها متى انقضت العدة ولم يسلم انفسخ نكاحها منه ، وقال آخرون : بل إذا انقضت العدة هي بالخيار إن شاءت أقامت على النكاح واستمرت ، وإن شاءت فسخته وذهبت فتزوجت ، وحملوا عليه حديث ابن عباس والله أعلم ، وقوله تعالى : { وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ } يعني أزواج المهاجرات من المشركين ادفعوا إليهم الذي غرموه عليهن من الأصدقة ، وقوله تعالى : { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } يعني إذا أعطيتموهن أصدقتهن فأنكحوهن بشرطه ، من انقضاء العدة والولي وغير ذلك . وقوله تعالى : { وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ } تحريم من الله عزَّ وجلَّ على عباده المؤمنين نكاح المشركات والاستمرار معهن ، وفي الصحيح " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عاهد كفار قريش يوم الحديبية جاءه نساء من المؤمنات فأنزل الله عزَّ وجلَّ : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ } إلى قوله { وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ } فطلق عمر بن الخطاب يومئذٍ امرأتين تزوج إحداهما ( معاوية بن أبي سفيان ) والأُخْرَى ( صفوان بن أُمية ) " ، وقال الزهري : أنزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأسفل الحديبية . حين صالحهم على أنه من أتاه منهم رده إليهم ، فلما جاء النساء نزلت هذه الآية ، وأمره أن يرد الصداق إلى أزواجهن ، وحكم على المشركين مثل ذلك إذا جاءتهم امرأة من المسلمين ، أن يردوا الصداق إلى أزواجهن وقال : { وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ } وإنما حكم الله بينهم بذلك لأجل ما كان بينهم وبينهم من العهد ، وقوله تعالى : { وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ } أي وطالبوا بما أنفقتم على أزواجكم ، اللاتي يذهبن إلى الكفار إن ذهبن ، وليطالبوا بما أنفقوا على أزواجهم اللاتي هاجرن إلى المسلمين ، وقوله تعالى : { ذَلِكُمْ حُكْمُ ٱللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ } أي في الصلح واستثناء النساء منه ، والأمر بهذا كله هو حكم الله يحكم به بين خلقه ، { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } أي عليم بما يصلح عباده حكيم في ذلك ، ثم قال تعالى : { وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى ٱلْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُواْ ٱلَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ } قال مجاهد وقتادة : هذا في الكفار الذين ليس لهم عهد ، إذا فرت إليهم امرأة ، ولم يدفعوا إلى زوجها شيئاً ، فإذا جاءت منهم امرأة لا يدفع إلى زوجها شيء ، حتى يدفع إلى زوج الذاهبة إليهم مثل نفقته عليها ، وقال ابن عباس في هذه الآية : يعني إن لحقت امرأة رجل من المهاجرين بالكفار ، أمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يعطي مثل ما أنفق من الغنيمة ، وهكذا قال مجاهد { فَعَاقَبْتُمْ } أصبتم غنيمة من قريش أو غيرهم { فَآتُواْ ٱلَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ } يعني مهر مثلها ، وهذا لا ينافي الأول ، لأنه إن أمكن الأول فهو الأولى ، وإلاّ فمن الغنائم اللاتي تؤخذ من أيدي الكفار ، وهذا أوسع ، وهو اختيار ابن جرير .