Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 61, Ayat: 1-4)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قد تقدم الكلام على قوله تعالى : { سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } غير مرة بما أغنى عن إعادته ، وقوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } إنكار على من يعد وعداً ، أو يقول قولاً لا يفي به ، وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " آية المنافق ثلاث : إذا وعد أخلف ، وإذا حدث كذب ، وإذا اؤتمن خان " ، ولهذا أكد الله تعالى هذا الإنكار عليهم بقوله تعالى : { كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } نزلت حين تمنوا فريضة الجهاد عليهم ، فلما فرض نكل عنه بعضهم ، كقوله تعالى : { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً } [ النساء : 77 ] ، وقوله تعالى : { فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلْقِتَالُ رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ ٱلْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ } [ محمد : 20 ] الآية ، وهكذا هذه الآية كما قال ابن عباس : كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون : لوددنا أن الله عزّ وجلّ دلنا على أحب الأعمال إليه فنعمل به ، فأخبر الله نبيّه أن أحب الأعمال إيمان به لا شك فيه ، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا بالإيمان ولم يقروا به ، فلما نزل الجهاد كره ذلك ناس من المؤمنين ، وشق عليهم أمره ، فقال الله سبحانه وتعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } ؟ وقال مقاتل بن حيان : قال المؤمنون لو نعلم أحب الأعمال إلى الله لعملنا به ، فدلهم الله على أحب الأعمال إليه فقال : { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً } فبين لهم ، فابتلوا يوم أُحُد بذلك فولوا عن النبي صلى الله عليه وسلم مدبرين ، فأنزل الله في ذلك : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } ، وقال قتادة والضحّاك : نزلت توبيخاً لقوم كانوا يقولون : قتلنا ، ضربنا ، طعنا ، وفعلنا ؛ ولم يكونوا فعلوا ذلك . وقال ابن زيد : نزلت في قوم من المنافقين كانوا يعدون المسلمين النصر ولا يفون لهم بذلك ، وقال مجاهد : نزلت في نفر من الأنصار فيهم ( عبد الله بن رواحة ) ، قالوا في مجلس : لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لعملنا به حتى نموت ؟ فأنزل الله تعالى هذا فيهم ، فقال عبد الله بن رواحة : لا أبرح حبيساً في سبيل الله حتى أموت ، فقتل شهيداً . ولهذا قال تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ } فهذا إخبار من الله تعالى بمحبته عباده المؤمنين ، إذا صفوا مواجهين لأعداء الله في حومة الوغى ، يقاتلون في سبيل الله من كفر بالله ، لتكون كلمة الله هي العليا ، ودينه هو الظاهر العالي على سائر الأديان ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة يضحك الله إليهم : الرجل يقوم من الليل ، والقوم إذ صفوا للصلاة ، والقوم إذا صفوا للقتال " وقال مطرف : " كان يبلغني عن أبي ذر حديث كنت أشتهي لقاءه ، فلقيته فقلت : يا أبا ذر كان يبلغني عنك حديث فكنت أشتهي لقاءك ، فقال : لله أبوك ، فقد لقيت فهات ، فقلت : كان يبلغني عنك أنك تزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثكم أن الله يبغض ثلاثة ويحب ثلاثة ، قال : أجل فلا أخالني أكذب على خليلي صلى الله عليه وسلم ، قلت : فمن هؤلاء الثلاثة الذين يحبهم الله عزّ وجلّ ؟ قال : رجل غزا في سبيل الله خرج محتسباً مجاهداً ، فلقي العدو فقتل ، وأنتم تجدونه في كتاب الله المنزل ، ثم قرأ : { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ } " وذكر الحديث . وقال سعيد بن جبير في قوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً } قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقاتل العدو إلا أن يصافهم ، وهذا تعليم من الله للمؤمنين ، وقوله تعالى : { كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ } أي ملتصق بعضه في بعض ، من الصف في القتال ، وقال مقاتل بن حيان : ملتصق بعضه إلى بعض ، وقال ابن عباس : { كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ } مثبت لا يزول ملصق بعضه ببعض ، وقال ابن جرير ، عن يحيى بن جابر الطائي ، عن أبي بحرية قال : كانوا يكرهون القتال على الخيل ، ويستحبون القتال على الأرض لقول الله عزّ وجلّ : { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ } قال ، وكان أبو بحرية يقول : إذا رأيتموني التفت في الصف فجأوا في لحيي .