Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 61, Ayat: 5-6)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى مخبراً عن عبده ورسوله وكليمه ( موسى بن عمران ) عليه السلام أنه قال لقومه : { لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ } ، أي لم توصلون الأذى إليَّ وأنتم تعلمون صدقي فيما جئتكم به من الرسالة ؟ وفي هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أصابه من الكفّار . وقوله تعالى : { فَلَمَّا زَاغُوۤاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ } أي فلما عدلوا عن اتباع الحق مع علمهم به ، أزاغ الله قلوبهم عن الهدى ، وأسكنها الشك والحيرة والخذلان ، كما قال تعالى : { وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [ الأنعام : 110 ] ، وقال تعالى : { وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً } [ النساء : 115 ] ، ولهذا قال تعالى في هذه الآية : { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } وقوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي ٱسْمُهُ أَحْمَدُ } يعني التوراة ، وقد بشرت بي وأنا مصداق ما أخبرت عنه ، وأنا مبشر بمن بعدي وهو الرسول النبي الأمي العربي المكي ( أحمد ) فعيسى عليه السلام هو خاتم أنبياء بني إسرائيل ، وقد أقام في ملأ بني إسرائيل مبشراً بمحمد وهو أحمد خاتم الأنبياء والمرسلين الذي لا رسالة بعده ولا نبوة . وما أحسن ما أورد البخاري ، عن جبير بن مطعم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن لي أسماء ، أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر ، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي ، وأنا العاقب " قال ابن عباس : ما بعث الله نبياً إلا أخذ عليه العهد ، لئن بعث محمد وهو حي ليتبعنه ، وأخذ عليه أن يأخذ على أُمّته لئن بعت محمد وهم أحياء ليتبعنه وينصرنه . وقال محمد بن إسحاق ، عن خالد بن معدان ، عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا : يا رسول الله أخبرنا عن نفسك ، قال : " " دعوة أبي إبراهيم ، وبُشْرى عيسى ، ورأت أُمي حين حملت بي كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام " ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني عند الله لخاتم النبيين ، وإن آدم لمنجدل في طينته ، وسأنبئكم بأول ذلك دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى بي ، ورؤيا أُمّي التي رأت وكذلك أُمَّهات النبيين يرين " " وروى أحمد عن أبي أمامة قال ، قلت : " يا رسول الله ما كان بدء أمرك ؟ قال : " دعوة أبي إبراهيم ، وبشرى عيسى ، ورأت أُمي أنه يخرج منها نور أضاءت له قصور الشام " وقال عبد الله بن مسعود : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ونحن نحوٌ من ثمانين رجلاً ، منهم ( عبد الله بن مسعود ) ، و ( جعفر ) و ( عبد الله بن رواحة ) و ( عثمان بن مظعون ) و ( أبو موسى ) فأتوا النجاشي ، وبعثت قريش ( عمرو بن العاص ) و ( عمارة بن الوليد ) بهدية ، فلما دخلا على النجاشي سجدا له ، ثم ابتدراه عن يمينه وعن شماله ، ثم قالا له : إن نفراً من بني عمّنا نزلوا أرضك ورغبوا عنا ، وعن ملتنا ، قال : فأين هم ؟ قالا : هم في أرضك فابعث إليهم فبعث إليهم ، فقال جعفر : أنا خطيبكم اليوم ، فاتبعوه ، فسلّم ولم يسجد ، فقالوا له : مالك لا تسجد للملك ؟ قال : إنا لا نسجد إلا لله عزّ وجلّ ، قال : وما ذاك ؟ قال : إن الله بعث إلينا رسوله ، فأمرنا أن لا نسجد لأحد إلا لله عزّ وجلّ ، وأمرنا بالصلاة والزكاة ، قال عمرو بن العاص : فإنهم يخالفونك في عيسى ابن مريم ، قال : ما تقولون في عيسى ابن مريم وأُمّه ؟ قال : نقول كما قال الله عزّ وجلّ : هو كلمة الله ، وروحه ألقاها إلى العذراء البتول التي لم يمسها بشر ، ولم يعترضها ولد ، قال ، فرفع عوداً من الأرض ، ثم قال : يا معشر الحبشة والقسيسين والرهبان ، والله ما يزيدون على الذي نقول فيه ما يساوي هذا ، مرحباً بكم وبمن جئتم من عنده ، أشهد أنه رسول الله وأنه الذي نجده في الإنجيل ، وأنه الذي بَشّر به عيسى ابن مريم ، انزلوا حيث شئتم ، والله لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أكون أنا أحمل نعليه ، وأوضئه ، وأمر بهدية الآخرين فرُدَّت إليهما . والمقصد أن الأنبياء عليهم السلام لم تزل تنعته وتحكيه في كتبها على أُممها ، وتأمرهم باتباعه ونصره وموازرته إذا بعث ، وكان أول ما اشتهر الأمر في أهل الأرض ، على لسان إبراهيم الخليل والد الأنبياء بعده ، حين دعا لأهل مكّة أن يبعث الله فيهم رسولاً منهم وكذا على لسان عيسى ابن مريم ، ولهذا قال : " دعوة أبي إبراهيم ، وبشارة عيسى ابن مريم ، ورؤيا أُمي التي رأيت " أي ظهر في أهل مكة أثر ذلك ، والإرهاص ، فذكره صلوات الله وسلامه عليه . وقوله تعالى : { فَلَمَّا جَاءَهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } قال ابن جريج ، { فَلَمَّا جَاءَهُم } أحمد أي المبشر به في الأعصار المتقادمة المنوه بذكره في القرون السالفة ، لما ظهر أمره وجاء بالبينات قال الكفرة والمخالفون { هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } .