Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 62, Ayat: 1-4)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى أنه يسبّح له ما في السماوات وما في الأرض ، أي من جميع المخلوقات ناطقها وجامدها ، كما قال تعالى : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ } [ الإسراء : 44 ] ، ثم قال تعالى : { ٱلْمَلِكِ ٱلْقُدُّوسِ } أي هو مالك السماوات والأرض ، المتصرف فيهما بحكمه ، وهو المقدس أي المنزه عن النقائص ، الموصوف بصفات الكمال ، { ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } ، وقوله تعالى : { هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ } ، الأميون : هم العرب ، كما قال تعالى : { وَقُلْ لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ وَٱلأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ } [ آل عمران : 20 ] ؟ وتخصيص الأمّيين بالذكر لا ينفي من عداهم ، ولكن المنة عليهم أبلغ وأكثر ، كما قال تعالى : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } [ الزخرف : 44 ] وهو ذكر لغيرهم يتذكرون به ، وهذه الآية هي مصداق إجابة الله لخليله إبراهيم ، حين دعا لأهل مكة أن يبعث الله فيهم رسولاً منهم ، فبعثه الله تعالى على حين فترة من الرسل ، وطموس من السبل ، وقد اشتدت الحاجة إليه ، ولهذا قال تعالى : { هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } ، وذلك أن العرب كانوا متمسكين بدين إبراهيم الخليل عليه السلام فبدلوه وغيّروه . واستبدلوا بالتوحيد شركاً ، وباليقين شكاً ، وابتدعوا أشياء لم يأذن بها الله ، وكذلك أهل الكتاب قد بدلوا كتبهم وحرفوها ، وغيّروها وأولوها ، فبعث الله محمداً صلوات الله وسلامه عليه ، بشرع عظيم كامل شامل ، فيه هدايته والبيان لجميع ما يحتاج الناس إليه من أمر معاشهم ومعادهم ، وجمع له تعالى جميع المحاسن ممن كان قبله ، وأعطاه ما لم يعط أحداً من الأولين ولا يعطيه أحداً من الآخرين ، فصلوات الله وسلامه عليه دائماً إلى يوم الدين ، وقوله تعالى : { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } . روى الإمام البخاري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه : قال : " كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزلت عليه سورة الجمعة { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ } قالوا : من هم يا رسول الله ؟ فلم يراجعهم حتى سئل ثلاثاً ، وفينا سلمان الفارسي ، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على سلمان الفارسي ، ثم قال : " لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال - أو رجل - من هؤلاء " " ففي هذا الحديث دليل على عموم بعثته صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس ، لأنه فسَّر قوله تعالى : { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ } بفارس ، ولهذا قال مجاهد في قوله تعالى { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ } قال : هم الأعاجم وكل من صدّق النبي صلى الله عليه وسلم من غير العرب ، وقوله تعالى : { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } أي ذو العزة والحكمة في شرعه وقدره ، وقوله تعالى : { ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } يعني ما أعطاه الله محمداً صلى الله عليه وسلم من النبوة العظيمة ، وما خص به أُمته من بعثه صلى الله عليه وسلم إليهم .