Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 62, Ayat: 9-10)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إنما سميت الجمعة جمعة لأنها مشتقة من الجمع ، فإن أهل الإسلام يجتمعون فيه في كل أسبوع مرة بالمعابد الكبار ، وفيه كمل جميع الخلائق ، وفيه خلق آدم ، وفيه أُدخل الجنة ، وفيه أُخرج منها ، وفيه تقوم الساعة ، كما ثبتت بذلك الأحاديث الصحاح ، وقد كان يقال له ( يوم العروبة ) ، وثبت أن الأمم قبلنا أُمروا به فضلوا عنه ، واختار اليهود يوم السبت الذي لم يقع فيه خلق آدم ، واختار النصارى يوم الأحد الذي ابتدىء فيه الخلق ، واختار الله لهذه الأمّة يوم الجمعة الذي أكمل الله فيه الخليقة ، كما أخرجه البخاري ومسلم . عن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ، ثم إن هذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه ، فهدانا الله له ، فالناس لنا فيه تبع ، اليهود غداً والنصارى بعد غد " ولمسلم : " أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا ، فكان لليهود يوم السبت ، وكان للنصارى يوم الأحد ، فجاء الله بنا فهدانا الله ليوم الجمعة ، فجعل الجمعة والسبت والأحد ، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة ، نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة ، المقضي بينهم قبل الخلائق " وقد أمر الله المؤمنين بالاجتماع لعبادته يوم الجمعة فقال تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ } أي اقصدوا واعمدوا واهتموا في سيركم إليها ، وليس المراد بالسعي هٰهنا المشي السريع وإنما هو الاهتمام بها ، كقوله تعالى : { وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ } [ الإسراء : 19 ] ، فأما المشي السريع إلى الصلاة فقد نهي عنه لما أخرجاه في الصحيحين ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا " وعن أبي قتادة قال : " بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ سمع جلبة رجال ، فلما صلى قال : " ما شأنكم ؟ " قالوا : استعجلنا إلى الصلاة قال : " فلا تفعلوا . إذا أتيتم الصلاة فامشوا وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا " " وفي رواية : " إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون ولكن ائتوها تمشون وعليكم السكينة والوقار فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا " ، قال الحسن : أما والله ما هو بالسعي على الأقدام ، ولقد نهوا أن يأتوا الصلاة إلا وعليهم السكينة والوقار ، ولكن بالقلوب والنية والخشوع ، وقال قتادة في قوله تعالى : { فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ } يعني أن تسعى بقلبك وعملك وهو المشي إليها ، وكان يتأول قوله تعالى : { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْيَ } [ الصافات : 102 ] أي المشي معه . ويستحب لمن جاء إلى الجمعة أن يغتسل قبل مجيئة إليها ، لما ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل " ، ولهما عن أبي سعيد رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم " وعن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حق الله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام ، يغسل رأسه وجسده " وعن أوس بن أوس الثقفي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من غسّل واغتسل يوم الجمعة ، وبكّر وابتكر ، ومشى ولم يركب ، ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ ، كان له بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها " وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من اغتسل يوم الجمعة غسل جنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرّب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر " ويستحب أن يلبس أحسن ثيابه ويتطيب ويتسوك ويتنظف ويتطهر . لما روى الإمام أحمد عن أبي أيوب الأنصاري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب أهله إن كان عنده . ولبس من أحسن ثيابه ، ثم خرج حتى يأتي المسجد فيركع إن بدا له ولم يؤذ أحداً ، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة الأُخْرَى " وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم الجمعة فرأى عليهم ثياب النمار ، فقال : " ما على أحدكم إن وجد سعة أن يتخذ ثوبين لجمعته سوى ثوب مهنته " وقوله تعالى : { إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ } المراد بهذا النداء هو ( النداء الثاني ) الذي كان يفعل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج فجلس على المنبر ، فإنه كان حينئذٍ يؤذن بين يديه ، فهذا هو المراد ، فأما النداء الأول الذي زاده أمير المؤمنين ( عثمان بن عفّان ) رضي الله عنه ، فإنما كان هذا لكثرة الناس ، كما رواه البخاري رحمه الله ، عن السائب بن يزيد قال : " كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبرعلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر ، فلما كان عثمان بعد زمن وكثر الناس ، زاد النداء الثاني على الزوراء " يعني يؤذن به على الدار التي تسمى بالزوراء ، وكانت أرفع دار بالمدينة بقرب المسجد . وذلك النداء الذي يحرم عنده الشراء والبيع إذا نودي به ، فأمر عثمان رضي الله عنه أن ينادى قبل خروج الإمام حتى يجتمع الناس ، وإنما يؤمر بحضور الجمعة الرجال الأحرار دون العبيد والنساء والصبيان ، ويعذر المسافر والمريض وما أشبه ذلك من الأعذار كما هو مقرر في كتب الفروع . وقوله تعالى : { وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ } أي اسعوا إلى ذكر الله واتركوا البيع إذا نودي للصلاة ، ولهذا اتفق العلماء رضي الله عنهم على تحريم البيع بعد النداء الثاني ، وقوله تعالى : { ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } أي ترككم البيع وإقبالكم إلى ذكر الله وإلى الصلاة { خَيْرٌ لَّكُمْ } أي في الدنيا والآخرة { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } ، وقوله تعالى : { فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ } أي فرغ منها { فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ } لما حجر عليهم في التصرف بعد النداء ، وأمرهم بالاجتماع ، أذن لهم بعد الفراغ في الانتشار في الأرض والابتغاء من فضل الله ، كما كان ( عراك بن مالك ) رضي الله عنه إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال : " اللهم إني أجبت دعوتك وصليت فريضتك ، وانتشرت كما أمرتني ، فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين ، وروي عن بعض السلف أنه قال : من باع واشترى في يوم الجمعة بعد الصلاة بارك الله له سبعين مرة لقول الله تعالى : { فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ } ، وقوله تعالى : { وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } أي في حال بيعكم وشرائكم وأخذكم وإعطائكم ، اذكروا الله ذكراً كثيراً ، ولا تشغلكم الدنيا عن الذي ينفعكم في الدار الآخرة ، ولهذا جاء في الحديث : " من دخل سوقاً من الأسواق فقال : لا إلٰه إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة " وقال مجاهد : لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيراً حتى يذكر الله قائماً وقاعداً ومضطجعاً .