Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 64, Ayat: 14-18)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى مخبراً عن الأزواج والأولاد ، أن منهم من هو عدوّ الزوج والوالد ، بمعنى أنه يلتهي به عن العمل الصالح ، كقوله تعالى : { لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } [ المنافقون : 9 ] ، ولهذا قال تعالى هٰهنا : { فَٱحْذَرُوهُمْ } قال ابن زيد : يعني على دينكم ، وقال مجاهد : { إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ } قال : يحمل الرجل على قطيعة الرحم ، أو معصية ربه ، فلا يستطيع الرجل مع حبه إلا أن يطيعه ، وقال ابن أبي حاتم : عن ابن عباس ، وسأله رجُل عن هذه الآية : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَٱحْذَرُوهُمْ } قال : " فهؤلاء رجال أسلموا من مكة ، فأرادوا أن يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم ، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رأوا الناس قد فقهوا في الدين ، فهمُّوا أن يعاقبوهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : { وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } " وقوله تعالى : { إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَٱللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } . يقول تعالى : إنما الأموال والأولاد { فِتْنَةٌ } أي اختبار وابتلاء من الله تعالى لخلقه ، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه ، وقوله تعالى : { وَٱللَّهُ عِنْدَهُ } أي يوم القيامة { أَجْرٌ عَظِيمٌ } كما قال تعالى : { ذٰلِكَ مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ٱلْمَآبِ } [ آل عمران : 14 ] . روي " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب ، فجاء الحسن والحسين رضي الله عنهما عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه ، ثم قال : " صدق الله ورسوله { إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ } نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران ، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما " " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الولد ثمرة القلوب ، وإنهم مجبنة مبخلة محزنة " . وقوله تعالى : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ } أي جهدكم وطاقتكم كما ثبت في الصحيحين : " إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه " ، وهذه الآية ناسخة للتي في آل عمران وهي قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } [ آل عمران : 102 ] ، عن سعيد بن جبير في قوله : { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } [ آل عمران : 102 ] ، قال : لما نزلت هذه الآية اشتد على القوم العمل ، فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية تخفيفاً على المسلمين { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ } فنسخت الآية الأولى ، وقوله تعالى : { وَٱسْمَعُواْ وَأَطِيعُواْ } أي كونوا منقادين لما يأمركم الله به ورسوله ، ولا تحيدوا عنه يمنة ولا يسرة ، وقوله تعالى : { وَأَنْفِقُواْ خَيْراً لأَنفُسِكُمْ } أي وابذلوا مما رزقكم الله على الأقارب والفقراء والمساكين ، وأحسنوا إلى خلق الله كما أحسن الله إليكم ، يكن خيراً لكم في الدنيا والآخرة ، وقوله تعالى : { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } تقدم تفسيره في سورة الحشر ، وقوله تعالى : { إِن تُقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ } أي مهما أنفقتم من شيء فهو يخلفه ، ومهما تصدقتم من شيء فعليه جزاؤه ، ونزّل ذلك منزلة القرض له ، كما ثبت في الصحيحين أن الله تعالى يقول : " من يقرض غير ظلوم ولا عديم " ، ولهذا قال تعالى : { يُضَاعِفْهُ لَكُمْ } ، كما قال تعالى : { فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً } [ البقرة : 245 ] { وَيَغْفِرْ لَكُمْ } ، أي ويكفر عنكم السيئات ، { وَٱللَّهُ شَكُورٌ } أي يجزي على القليل والكثير ، { حَلِيمٌ } أي يصفح ويغفر ويستر ، ويتجاوز عن الذنوب والزلات ، { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } تقدم تفسيره غير مرة .