Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 66, Ayat: 1-5)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلف في سبب نزول صدر هذه السورة ، فقيل : نزلت في شأن ( مارية ) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرمها فنزل قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ } الآية ، وقد روى النسائي ، عن أنَس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطؤها فلم تزل به عائشة وحفصة ، حتى حرمها ، فأنزل الله عزّ وجلّ : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ } إلى آخر الآية " ، وروى ابن جرير ، عن زيد بن أسلم " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصاب أُم إبراهيم في بيت بعض نسائه ، فقالت : أي رسول الله في بيتي وعلى فراشي ؟ فجعلها عليه حراماً ، فقالت : أي رسول الله كيف يحرم عليك الحلال ؟ فحلف لها بالله لا يصيبها ، فأنزل الله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ } " ؟ ! وعن مسروق قال : " آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرم ، فعوتب في التحريم ، وأُمر بالكفارة باليمين " ، وعن سعيد بن جبير : أن ابن عباس كان يقول في الحرام يمين تكفرها ، وقال ابن عباس : { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } [ الأحزاب : 21 ] يعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم جاريته ، فقال الله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ } إلى قوله : { قَدْ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } فكفّر يمينه فصيّر الحرام يميناً ، ومن هٰهنا قال بعض الفقهاء بوجوب الكفارة على من حرّم جاريته ، أو زوجته ، أو طعاماً ، أو شراباً ، أو شيئاً من المباحات وهو مذهب الإمام أحمد ، وذهب الشافعي إلى أنه لا تجب الكفارة فيما عدا الزوجة والجارية إذا حرم عينيهما ، فأما إن نوى بالتحريم طلاق الزوجة أو عتق الأمَة نفذ فيهما ، والآية نزلت في تحريمه العسل كما روى البخاري عن عائشة قالت : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يشرب عسلاً عند ( زينب بنت جحش ) ويمكث عندها ، فتواطأت أنا وحفصة على أيتنا دخل عليها فلتقل له : أكلت مغافير ؟ إني أجد منك ريح مغافير ، قال : " لا ولكني كنت أشرب عسلاً عند زينب بنت جحش ، فلن أعود له ، وقد حلفت لا تخبري بذلك أحداً " " { تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِك } . وقال البخاري في " كتاب الطلاق " عن عائشة قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلوى والعسل ، وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداهن ، فدخل على حفصة بنت عمر فاحتبس أكثر ما كان يحتبس ، فغرت ، فسألت عن ذلك فقيل لي أهدت لها امرأة من قومها عكة عسل ، فسقت النبي صلى الله عليه وسلم منه شربة ، فقلت : أما والله لنحتالنَّ له ، فقلت لسودة بنت زمعة : إنه سيدنو منك ، فإذا دنا منك فقولي : أكلت مغافير فإنه سيقول : لا ، فقولي له : ما هذه الريح التي أجد ؟ سيقول لك : سقتني حفصة شربة عسل ، فقولي : جرست نحله العرفط وسأقول ذلك ، وقولي له أنت يا صفية ذلك ، قالت : تقول سودة : فوالله ما هو إلا أن قام على الباب ، فأردت أن أناديه بما أمرتني فرقاً منك ، فلما دنا منها ، قالت له سودة : يا رسول الله أكلت مغافير ؟ قال : " لا " ، قالت : فما هذه الريح التي أجد منك ؟ قال : " سقتني حفصة شربة عسل " ، قالت : جرست نحلة العرفط ، فلما دار إليَّ ، قلت نحو ذلك ، فلما دار إلى صفية قالت له مثل ذلك ، فلما دار إلى حفصة قالت له : يا رسول الله ألا أسقيك منه ؟ قال : " لا حاجة لي فيه " ، قالت : تقول سودة والله لقد حرمناه ، قلت لها : اسكتي . هذا لفظ البخاري ولمسلم ، قالت : " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد عليه أن يوجد منه الريح ، يعني الريح الخبيثة ، ولهذا قلن له أكلت مغافير لأن ريحها فيه شيء ، فلما قال : " بل شربت عسلاً " " قلن : جرست نحلة العرفط ، أي رعث نحله شجر العرفط الذي صمغه المغافير ، فلهذا ظهر ريحه في العسل الذي شربته ، قال الجوهري : جرست النحل العرفط إذا أكلته ، ومنه قيل للنحل جوارس ، وفي رواية عن عائشة أن ( زينب بنت جحش ) هي التي سقته العسل ، وأن عائشة وحفصة تواطأتا وتظاهرتا عليه فالله أعلم ، وقد يقال : إنهما واقعتان ، ولا بعد في ذلك إلا أن كونهما سبباً لنزول هذه الآية فيه نظر ، والله أعلم . ومما يدل على أن عائشة وحفصة رضي الله عنهما هما المتظاهرتان الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن ابن عباس : قال : لم أزل حريصاً على أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله تعالى : { إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } حتى حج عمر وحججت معه ، فلما كان ببعض الطريق عدل عمر ، وعدلت معه بالإداوة ، فتبرز ثم أتاني ، فسكبت على يديه فتوضأ ، فقلت : يا أمير المؤمنين : من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله تعالى : { إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } ؟ فقال عمر : واعجباً لك يا ابن عباس ، قال : الزهري : كره والله ما سأله عنه ولم يكتمه ، قال : هي ( عائشة وحفصة ) . قال : ثم أخذ يسوق الحديث ، قال : " كنا معشر قريش قوماً نغلب النساء ، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم ، فطفق نساؤها يتعلمن من نسائهم ، قال : وكان منزلي في دار أُميَّة بن زيد بالعوالي ، فغضبت يوماً على امرأتي ، فإذا هي تراجعني ، فأنكرت أن تراجعني ، فقالت : ما تنكر أن أراجعك فوالله إن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليراجعنه ، وتهجره إحداهنَّ اليوم إلى الليل ، قال : فانطلقت فدخلت على حفصة ، فقلت : أتراجعين رسول الله صلى الله عليه سلم ؟ قالت : نعم ، قلت : وتهجره إحداكنَّ اليوم إلى الليل ؟ قالت : نعم ، قلت : قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر ، أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله ، فإذا هي قد هلكت ، لا تراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا تسأليه شيئاً ، وسليني من مالي ما بدا لك ، ولا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم ( أي أجمل ) وأحب إلى رسول الله صلى الله وسلم منك يريد عائشة - ، قال : وكان لي جار من الأنصار ، وكنا نتناوب النزول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ينزل يوماً وأنزل يوماً ، فيأتيني بخبر الوحي وغيره وآتيه بمثل ذلك ، قال : وكنا نتحدث أن غسان تنعل الخيل لتغزونا ، فنزل صاحبي يوماً ، ثم أتى عشاء ، فضرب بابي ، ثم ناداني ، فخرجت إليه ، فقال : حدث أمر عظيم ، فقلت : وما ذاك ، أَجاءت غسان ؟ قال : لا ، بل أعظم من ذلك وأطول ، طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه ، فقلت : قد خابت حفصة وخسرت ، قد كنت أظن هذا كائناً ، حتى إذا صليت الصبح شددت عليّ ثيابي ، ثم نزلت ، فدخلت على حفصة وهي تبكي فقلت : أطلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت : لا أدري ، هو هذا معتزل في هذه المشربة ، فأتيت غلاماً له أسود فقلت استأذن لعمر ، فدخل الغلام ثم خرج إلي فقال : ذكرتك له فصمت ، فانطلقت حتى أتيت المنبر ، فإذا عنده رهط جلوس يبكي بعضهم ، فجلست عنده قليلاً ، ثم غلبني ما أجد فأتيت الغلام ، فقلت : استأذن لعمر فدخل ثم خرج إلي ، فقال : فقد ذكرتك له فصمت ، فخرجت فجلست إلى المنبر ، ثم غلبني ما أجد ، فأتيت الغلام فقلت : استأذن لعمر : فدخل ثم خرج إلي فقال : قد ذكرتك له فصمت فوليت مدبراً . فإذا الغلام يدعوني . فقال : ادخل قد أذن لك . فدخلت فسلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا هو متكىء على رمال حصير وقد أثر في جنبه فقلت : أطلقت يا رسول الله نساءك ؟ فرفع رأسه إليّ ، وقال : " لا " ، فقلت : الله أكبر ، ولو رأيتنا يا رسول الله وكنا معشر قريش قوماً نغلب النساء ، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم . فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم . فغضبت على امرأتي يوماً ، فإذا هي تراجعني ، فأنكرت أن تراجعني . فقالت : ما تنكر أن أراجعك ؟ فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل ، فقلت : قد خاب من فعل ذلك منكن وخسرت ، أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله فإذا هي قد هلكت ؟ فتبسم رسول الله صلى عليه وسلم فقلت : يا رسول الله قد دخلت على حفصة ، فقلت : لا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم أو أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك ، فتبسم أُخْرى ، فقلت : استأنس يا رسول الله ؟ قال : " نعم " ، فجلست فرفعت رأسي في البيت فوالله ما رأيت في البيت شيئاً يرد البصر إلاّ أهب مقامه ، فقلت : ادع الله يا رسول الله أن يوسع على أُمتك ، فقد وسع على فارس والروم . وهم لا يعبدون الله ، فاستوى جالساً وقال : " أفي شك أنت يا ابن الخطاب ؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا " ، فقلت : استغفر لي يا رسول الله ، وكان أقسم أن لا يدخل عليهن شهراً من شدة موجدته عليهن ، حتى عاتبه الله عزَّ وجلَّ " . وروى البخاري : عن أنَس قال ، قال عمر : اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه فقلت لهن : { عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ } فنزلت هذه الآية ، وقد تقدم أنه وافق القرآن في أماكن منها في نزول الحجاب ومنها في أسارى بدر ، ومنها قوله : لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى ، فأنزل الله تعالى : { وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } [ البقرة : 125 ] . وقد تبين مما أوردناه تفسير هذه الآيات الكريمات ، ومعنى قوله : { مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ } ظاهر ، وقوله تعالى : { سَائِحَاتٍ } أي صائمات قاله ابن عباس وعكرمة ومجاهد ، وتقدم فيه حديث مرفوع ، ولفظه " سياحة هذه الأمة الصيام " ، وقال زيد بن أسلم { سَائِحَاتٍ } أي مهاجرات ، وتلا { ٱلسَّائِحُونَ } [ التوبة : 112 ] أي المهاجرون ، والقول الأول أولى ، والله أعلم . وقوله تعالى : { ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً } أي منهن ثيبات ، ومنهن أبكاراً ، ليكون ذلك أشهى إلى النفس ، فإن التنوع يبسط النفس ، ولهذا قال : { ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً } قال : وعند الله نبيّه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية أن يزوجه ، فالثيب آسية امرأة فرعون ، وبالأبكار مريم بنت عمران ، وذكر الحافظ ابن عساكر ، عن ابن عمر قال : " جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرت خديجة فقال : إن الله يقرؤها السلام ويبشرها ببيت في الجنة من قصب : بعيد من اللهب لا نصب فيه ولا صخب ، من لؤلؤة جوفاء بين بيت مريم بنت عمران وبيت آسية بنت مزاحم " .