Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 68, Ayat: 17-33)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا مثل ضربه الله تعالى لكفّار قريش ، فيما أهدى إليهم من الرحمة العظيمة ، وهو بعثة محمد صلى الله عليه وسلم إليهم ، فقابلوه بالتكذيب والرد والمحاربة ، ولهذا قال تعالى : { إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ } أي اختبرناهم { كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ } وهي البستان المشتمل على أنواع الثمار والفواكة ، { إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ } أي حلفوا ليجذن ثمرها ليلاً ، لئلا يعلم بهم فقير ولا سائل ، ولا يتصدقوا منه بشيء ، { وَلاَ يَسْتَثْنُونَ } أي فيما حلفوا به ، { فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ } أي أصابتها آفة سماوية ، { فَأَصْبَحَتْ كَٱلصَّرِيمِ } قال ابن عباس : أي كالليل الأسود ، وقال السدي : مثل الزرع إذا حصد أي هشيماً يبساً ، عن ابن مسعود قال ، " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إياكم والمعاصي ، إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به رزقاً قد كان هيء له " ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : { فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَٱلصَّرِيمِ } " قد حرموا خير جنتهم بذنبهم ، { فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ } أي وقت الصبح نادى بعضهم بعضاً ليذهبوا إلى ( الجذاذ ) أي القطع ، { أَنِ ٱغْدُواْ عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ } أي تريدون الصرام ، قال مجاهد : كان حرثهم عنباً ، { فَٱنطَلَقُواْ وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ } أي يتناجون فيما بينهم ، بحيث لا يُسْمِعُون أحداً كلامهم ، ثم فسر عالم السر والنجوى ما كانوا يتخافتون به ، فقال تعالى : { فَٱنطَلَقُواْ وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا ٱلْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ } أي يقول بعضهم لبعض لا تمكنوا اليوم فقيراً يدخلها عليكم ، قال تعالى : { وَغَدَوْاْ عَلَىٰ حَرْدٍ } أي قوة وشدة ، وقال مجاهد : على جد ، وقال عكرمة : على غيظ ، { قَادِرِينَ } أي عليها فيما يزعمون ويرومون ، { فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوۤاْ إِنَّا لَضَآلُّونَ } أي فلما وصلوا إليها وأشرفوا عليها ، وهي على الحالة التي قال الله عزَّ وجلَّ ، قد استحالت عن تلك النضارة والزهوة وكثرة الثمار ، إلى أن صارت سوداء مدلهمة لا ينتفع بشيء منها ، فاعتقدوا أنهم قد أخطأوا الطريق ، ولهذا قالوا : { إِنَّا لَضَآلُّونَ } أي قد سلكنا إليها غير الطريق فتهنا عنها ، ثم تيقنوا أنها هي فقالوا { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } أي بل هي هذه ، ولكن نحن لا حظ لنا ولا نصيب . وقال تعالى : { قَالَ أَوْسَطُهُمْ } ، أي أعدلهم وخيرهم { أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ } ! قال مجاهد والسدي : أي لولا تستثنون ، وكان استثناؤهم في ذلك الزمان تسبيحاً ، وقال ابن جرير : هو قول القائل ( إن شاء الله ) ، وقيل : { لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ } أي هلا تسبحون الله وتشكرونه على ما أعطاكم وأنعم به عليكم { قَالُواْ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } أتوا بالطاعة حيث لا تنفع ، وندموا واعترفوا حيث لا ينجع ، ولهذا قالوا : { إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ } أي يلوم بعضهم بعضاً ، وعلى ما كانوا أصروا عليه من منع المساكين ، فما كان جواب بعضهم لبعض إلاّ الاعتراف بالخطيئة والذنب ، { قَالُواْ يٰوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ } أي اعتدينا وبغينا وجاوزنا الحد حتى أصابنا ما أصابنا { عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَآ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ } قيل : راغبون في بذلها لهم في الدنيا ، وقيل : احتسبوا ثوابها في الدار الآخرة ، والله أعلم . ذكر بعض السلف أن هؤلاء قد كانوا من أهل اليمن ، وقيل : كانوا من أهل الحبشة وكان أبوهم قد خلف لهم هذه الجنة ، وكان يسير فيها سيرة حسنة ، فكان ما يستغل منها يرد فيها ما تحتاج إليه ، ويدخر لعياله قوت سنتهم ، ويتصدق بالفاضل ، فلما مات وورثه بنوه قالوا : لقد كان أبونا أحمق ، إذ كان يصرف من هذه شيئاً للفقراء ، ولو أنا منعناهم لتوفر ذلك علينا ، فلما عزموا على ذلك عوقبوا بنقيض قصدهم ، فأذهب الله ما بأيديهم بالكلية ( رأس المال والربح والصدقة ) فلم يبق لهم شيء ؛ قال الله تعالى { كَذَلِكَ ٱلْعَذَابُ } أي هكذا عذاب من خالف أمر الله ، وبخل بما آتاه الله وأنعم به عليه ، ومنع حق المسكين والفقير ، وبدّل نعمة الله كفراً ، { وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } أي هذه عقوبة الدنيا وعذاب الآخرة أشق .